الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
فنان مبدع أسعد الناس، ولا تزال أعماله الموسيقية والغنائية والسينمائية، تعيش بيننا. ولعل من أبرز مميزات هذا الفنان أنه يشعرنا أنه واحد منا ببساطة، وهكذا فنحن، وحتى اليوم، نغني معه، ونردد ألحانه المستمدة من ثقافتنا، ومن أنغام تمتزج بالنغمات الشعبية، كما أنها في الوقت نفسه تضج بالتطور والجدة في ترتيب النغمات، وفي الحضور الدرامي في السينما.
واسم فريد الأطرش حينما يُذكر ترتبط به كلمات ذات دلالات واسعة في حياتنا، فهو الفنان العازف الماهر، وهو الملحن المبتكر، وهو المغني الذي يعبر بعمق، وهو الممثل في السينما الذي أمتعنا بأدواره المتنوعة. وعليه ولما كان فريد الأطرش هو ذاك الفنان العالمي الذي سَمِعَته الجماهير في بلاد عدة، وعُزفت ألحانه، وغناها مطربون ومطربات بلغات كثيرة، فقد خصصت سلسلة «أعلام ومبدعون» الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتابها الشهري لليافعة الذي حمل عنوان (فريد الأطرش)، تأليف: د. فائز الداية، خصصته للحديث عن هذا الفنان الشامل.
المولد والنشأة
ولد فريد فهد الأطرش في بلدة (القريا) قرب مدينة السويداء عام ١٩١٥، وهو ينتمي إلى أسرة عريقة لها دور مهم في تاريخ سورية واستقلالها. كان والده فهد على درجة من العلم والثقافة أهّلته ليكون (القائمقام)، أما والدته فهي السيدة علياء المنذر من عائلة مرموقة في جبل لبنان، كانت لها معرفة موسيقية ومهارة في العزف وأداء الأغاني التراثية والشعبية.
نشأ الطفل فريد في هذا الإطار الاجتماعي والمادي، وكان من المتوقع له أن يتمتع بمستقبل حافل بالتعليم ورفاهية العيش، ولكن الأحداث التي فاجأت العالم في تلك الفترة، غيرت كل هذه التوقعات، فقد نشبت الحرب العالمية الأولى، مما اضطر الوالد فهد إلى إرسال زوجته وولديه من تركيا حيث يعمل، إلى بيروت، وازدادت الاضطرابات حينما استولت جيوش المستعمرين الفرنسيين على سورية عام ١٩٢٠، وسارع فهد الأطرش ليكون في عداد المدافعين ضد الاحتلال في السويداء، وبقيت الأم مع أطفالها في بيروت تنتظر اللحاق بزوجها، ولكن الفرنسيين أرادوا احتجازها مع أولادها، فاستطاعت أن تنجو بهم، وتصل عبر فلسطين إلى مصر، حيث لقيت هناك تسهيلاً وترحيباً من رئيس الوزراء المصري حينئذ سعد زغلول، وهنا بدأت حياة جديدة لهذه الأسرة تختلف عن تلك التي كانت في السنوات الماضية.
عرف فريد أن عليه الاهتمام بالدراسة، ومساعدة والدته في تدبير عمل يدر بعض النقود، وبعد أن اكتشف موهبته وميوله إلى الموسيقا والغناء، انتسب إلى معهد الموسيقا العربي في القاهرة، ومع بروز مواهبه في العزف، وجد فرصاً للعمل في بعض الفرق الفنية في القاهرة. لم يستطع فريد إكمال دراسته، فاضطر إلى ترك المدرسة في شطر من المرحلة الثانوية، وكذلك لم ينجز كل سنوات المعهد الموسيقي بسبب توزيع وقته، والإرهاق الشديد بسبب العمل الذي فُتحت له أبوابه بفضل موهبته المميزة.
البدايات الفنية
كانت علامات الذكاء الفاعلة تبرز لدى فريد مع العزم والمثابرة والوعي، فقد سخر معرفته للغات الأجنبية في الاطلاع المستمر على الأدب والموسيقا العالمية، كما أنه التقط خبرات فنية في العزف على آلة العود من بيئته القريبة في البيت، مع أمه، ومن ضيوف الأسرة وأصدقائها من الفنانين المشهورين في العزف والتلحين أمثال فريد غصن، ومحمد القصبجي. فتحت الفنانة بديعة مصابني المجال أمام فريد الأطرش في كازينو يقدم الغناء والمشاهد التمثيلية، وبدأ مشاركاً في الجوقة المصاحبة للغناء، وارتقى شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى تقديم أغانيه أمام الجمهور. وجاءته الفرصة الكبرى عندما سمع أداءه ملحن يقدر الفن، وكان مديراً للقسم الموسيقي في الإذاعة المصرية الرسمية، واسمه مدحت عاصم، فكلفه العزف أسبوعياً، ثم أتاح له الغناء، مما فتح المجال واسعاً أمامه للعمل والحفلات والتسجيل على أسطوانات، إلى أن جاءت ذروة إعلامية سجلت انتقال فريد إلى المرتبة الأولى لدى الجمهور بجوار محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وكان ذلك في صيف عام ١٩٣٩ حيث شارك في حفل فني ساهر نُقل لأول مرة على الهواء مباشرة. دُعي فريد على إثر هذا الحفل لتسجيل أغاني لإذاعة لندن في إنكلترا، وزار باريس في فرنسا، وعاد إلى مصر وكله حماس للمضي في العمل بلا إبطاء.
الملحن السينمائي
كان عام ١٩٤١ عاماً هاماً لفريد وشقيقته أسمهان، حيث أتيح لهما أن يقدما معاً فيلماً بعنوان (انتصار الشباب) استطاع خلاله هذا الفنان الشاب أن يؤكد مقدرته التي عُرفت عنه في السنوات الماضية عبر الحفلات والأسطوانات والإذاعة، وأبرز في ألحانه الإمكانات الفائقة لصوت أسمهان. مع إنجاز هذا العمل بدأ فريد الطريق السينمائي الذي لحّن خلاله العديد من الأغنيات والأوبريت والمونولوجات عبر أفلام استمرت حتى آخر حياته، وبلع عددها ٣١ فيلماً. في عام ١٩٥٥ أصيب فريد الأطرش بعارض صحي ظل يعاوده في السنوات التالية، ولكنه كان يصر على متابعة العمل، وتقديم إنتاجه الفني. ومع تغير الأحوال الإدارية والاقتصادية حول الإنتاج السينمائي والفني في مصر أواخر الستينيات من القرن العشرين، أقام فريد معظم وقته في بيروت، حتى كاد يستقر، وبدأ منها ينجز أعاملاً ومشاريع فنية، حتى وفاته في هذه المدينة عام ١٩٧٤.
التاريخ: الثلاثاء10-12-2019
رقم العدد : 977