الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
أجمع العديد من الباحثين والأدباء على أن الشاعر عبد الباسط الصوفي، يعد جسر العبور إلى التجديد الحقيقي في الشعر السوري الحديث؛ فقد وصفه الباحث المهندس (جورج فارس رباحية): «إنه كان شاعراً عبقرياً ملهماً، ويعتبر من شعراء الطليعة في عصرنا الحديث، وهو رهيف الإحساس، دقيق التصوير والملاحظة، وطني التفكير، عربي النزعة…».
أما د. إبراهيم الكيلاني فقد خلص إلى أن الشاعر عبد الباسط الصوفي: «قد أجاد التعبير عن عواطفه وانفعالاته الذاتية في مختلف أطوارها وتموجاتها إجادته التعبير عن حبه للجمال الكلي الشامل بواسطة الأوزان المنغمة، والكلام المجنح، والجرس المطرب. ومؤخراً صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن سلسلة (أعلام ومبدعون)، الكتاب الشهري لليافعة، الذي حمل عنوان (عبد الباسط الصوفي)، تأليف: د. جمال أبو سمرة، للوقوف على أبرز وأهم المحطات في حياة هذا الشاعر الذي أسهم على الرغم من يفاعة سنه، ووفاته المبكرة، أسهم في بناء القصيدة الجديدة.
المولد والنشأة
ولد الشاعر عبد الباسط الصوفي عام 1931 في حي (ظهر المغارة) في مدينة حمص، لأسرة متوسطة الحال. تلقى علومه الابتدائية في المدرسة «الخيرية الأميرية»، ثم في مدرسة التجهيز، فنال الشهادة المتوسطة عام 1946، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1950، ليعين لاحقاً معلماً في مدارس ريف المحافظة، ثم مدرساً للغة العربية.
التحق الصوفي في عام 1952 بجامعة دمشق، ونال الإجازة في الآداب عام 1956، وفي أواخر دراسته الجامعية عمل مذيعاً في الإذاعة السورية، ومشرفاً على القسم الأدبي فيها، بتوصية إعجاب وتقدير من الشاعر الكبير بدوي الجبل الذي كان وزيراً في الحكومة السورية آنذاك. بعد إنهائه الدراسة الجامعية، واصل الصوفي مهنته التدريسية، فعمل مدرساً في مدينة دير الزور، وفي ثانويات حمص، حتى شهر شباط من سنة 1960، حيث أوفدته وزارة التربية مع ثلاثة من زملائه إلى دولة «غينيا» في بعثة تعليمية لتدريس اللغة العربية، وبدأ عمله في بلدة «لابي» الهادئة النائية.
أثناء عمله في «غينيا» أصيب الصوفي بمرض عضال استعصى شفاؤه، فطلب إعادته إلى أرض وطنه، لكن رغبته بقيت عصية على التحقق، إذ تعذر نقله وهو طريح الفراش، ولم تتحمل أعصابه المرهفة وضعه المرضي، فقضى نحبه في العشرين من تموز عام 1960، في المستشفى الذي نُقل إليه للعلاج، وحُمل جثمانه إلى موطنه بحراً، ودفن في مدينته حمص بعد شهرين من وفاته.
اكتساب الثقافة
لم يقدر للصوفي أن يعيش حياة اجتماعية هانئة هادئة مستقرة، خالية من الفوضى والضجيج، فقد عاش فقيراً في منزل ذويه المكتظ بالأطفال، ولم يكن يجد لتجنب هذا الضجيج سوى الهروب من البيت إلى المقاهي والبساتين، لينعم بالهدوء والطمأنينة، ويخلد إلى الدراسة والمطالعة والتفكر. ويبدو أن عبد الباسط الصوفي قد وجد في الطبيعة متنفساً له، فهي تتجاوب مع نفسه وروحه، ونزوعه الرومانسي التوّاق إلى التحرر والخلاص، ولذلك فهو كثيراً ما كان يذكر في كتاباته ورسائله، أن موهبته الشعرية قد تفتقت في رحاب الطبيعة، ففي أحضانها نظم أولى قصائده، وهو أمر ترك أكبر الأثر في مزاجه ونفسيته التي انعكست على كتاباته الإبداعية، فمعجمه اللغوي طافح بألفاظ الطبيعة، وهو أمر لا يغفل عن ملاحظته القارئ لشعره بصورة عامة.
نبوغه الشعري
أحيط أدب عبد الباسط الصوفي باهتمام النقاد والمتابعين من أصدقائه، ومن جمهور الشعر الذوّاقة أيضاً. وكان محي الدين صبحي أحد النقاد الأوائل الذين بشّروا بشاعرية عبد الباسط الصوفي، وسطوع نجمه في دراسته التي نشرها عنه في مجلة (النقاد) وعنوانها (هذا شاعر: عبد الباسط الصوفي في لوحاته وقصائده)، وسماه فيها شاعر الأهواء الذي يوقف شعره على الانفعالات وتجسيدها، ليس بالألفاظ النفسية، بل بالأجواء الموحية، وامتدح فيه متابعته طريقة نزار قباني في تعريب الرمزية، ورأى في شعره رمزية سعيد عقل، وحرص الشاعر عمر أبو ريشة على تجسيدها وتوليدها.
كما أن المتتبع لأدب الصوفي يلمس فيه كذلك الحب البريء الصافي القادم من عمق التاريخ، فهو كثيراً ما يذكّرنا بالشعراء العذريين، الذين ذرفوا الدموع، وزفروا الآهات، وآلمهم الإهمال، وأوجعهم الجفاء، ونحن غالباً ما نلمح هذا بادياً في الكثير من أشعار الصوفي ورسائله. بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب يقع في 83 صفحة من القطع المتوسط.
التاريخ: الثلاثاء3-3-2020
رقم العدد : 989