أنجزت المرحلة الأولى من استحقاق الانتخابات البرلمانية للدور التشريعي الثالث، وهي مرحلة التقدم بطلبات الترشيح للجان المختصة، حيث تقدم الآلاف من المواطنين السوريين لهذه الانتخابات، الأمر الذي يشير إلى تمسك أبناء الوطن بهذه المؤسسة الدستورية المهمة وحرصهم على المشاركة باستحقاقها، مرسلين رسائل واضحة وقوية الدلالة باتجاهات مختلفة وخاصة لمن يشكك بقدرة الدولة السورية على أداء وظائفها وإنجاز كل استحقاقاتها بصورة طبيعية، رغم كل ما يثار من حملات تشهير وإساءة لهذا الاستحقاق الدستوري.
وإلى أن تبتّ اللجان المختصة بطلبات الترشح ومعرفة ما إذا كانت تراعي المعايير والشروط القانونية المطلوبة من عدمه، وصولاً إلى يوم الانتخابات الموعود في الثالث عشر من الشهر المقبل، سيكون أمام السوريين فرصة زمنية كافية لحسم خياراتهم بالمشاركة الفاعلة في التصويت ومن ثم اختيار ممثليهم الأكثر تعبيراً عن إرادتهم الوطنية والأكثر إحساساً وتلمساً لهمومهم المعيشية وتطلعاتهم نحو المستقبل، حيث لا أحد ــ ربما ــ يجهل أهمية المهمة الملقاة على عاتقه بخصوص الارتقاء بهذه المؤسسة الوطنية المهمة وتعزيز دورها في التشريع والمحاسبة والرقابة على الأداء الحكومي وتحسين سويته ورفع مستواه كي يليق بشعب صمد وتحمل الكثير من المصاعب وظروف الحرب والحصار خلال السنوات التسع الماضية، وكلما كان المواطن موفقاً في اختيار من يمثله في هذه المؤسسة كلما انعكس ذلك إيجاباً على دور مجلس الشعب ودور الحكومة في حياة الناس.
ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة هو كيف يستطيع المواطن أن يميّز بين مرشح وآخر كي يهبه صوته يوم الانتخابات، ويقتنع أن مشاركته لعبت الدور المطلوب في خدمة مصلحته ومصلحة الوطن عموماً، وأدت رسالتها في حماية الوطن وصيانته من المتاجرين والمتسلقين ممن يسيل لعابهم لدخول البرلمان بأي ثمن..؟!
خلال الأيام القادمة سيبدأ المرشحون المقبولة طلباتهم بعرض خططهم المستقبلية للدور التشريعي القادم، والترويج لبرامجهم الانتخابية من أجل إقناع الناخبين بالمشاركة من جهة وبالتصويت لهم من جهة أخرى، وهنا يتعين على كل مواطن أن يحدد قناعاته بدقة وأن يعرف أولوياته قبل أن يختار من يصلح لتمثيله من بين هذا العدد الكبير من الطامحين للفوز بتمثيل ناخبيهم تحت قبة المجلس.
لا يختلف اثنان ونحن نقترب من نهاية السنة التاسعة للحرب، أن الأولوية القصوى في سورية هي للقضاء على ما تبقى من بؤر إرهابية في محافظة إدلب وطرد المحتلين الأتراك والأميركيين الطامعين بخيرات سورية من منطقة الجزيرة، حيث لا يمكن التعايش مع هذه الآفة الخطيرة التي لا تزال تهدد فرص الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار المطلوبة في المرحلة القادمة، وهذا يتطلب بشكل أكيد وحاسم الوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري البطل ــ عنوان السيادة والكرامة الوطنية ــ ودعمه في هذه المعركة المصيرية ومساعدته لأداء مهمته الوطنية المقدسة بكل إخلاص وتفانٍ، لذلك يجب أن تجند كل قدرات المجلس لخدمة ودعم هذه المعركة التي أوشكت على نهايتها.
بعد مكافحة الإرهاب وطرد المحتلين الغرباء الذين يسرقون ثروات بلدنا ويدمرون حضارته وبنيته التحتية، ويحولون دون وضع حد لنهاية الحرب على بلدنا، يتقدم مشروع مكافحة الفساد الذي يشكل رديفاً داخلياً للإرهاب إلى الواجهة، حيث يجب أن يكون في صلب أولويات المجلس توجيه ضربة قوية لتجار الأزمات الذين جمعوا المليارات على حساب تعب الناس ومعاناتهم، وقد أثبتت معطيات السنوات الماضية أن الفساد آفة خطيرة جداً تلتهم مقدرات الدولة وتضعف قدرة الشعب على الصمود في وجه الضغوط الخارجية والحصار المفروض من دول معادية، وهو مشروع وطني يتبناه قائد الوطن ولذلك ينبغي السير فيه بكل قوة ودون إبطاء لأن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة رديئة، فالفساد يشكل ظهيراً قوياً للإرهاب لأنه يفتك بكل مقومات الصمود وقدرة الجماهير على المواجهة، ولا شك أن تعزيز صمود السوريين وثباتهم في أرضهم يتطلب ويستدعي بصورة عاجلة تخفيف وطأة الظروف المعيشية الصعبة عن كاهلهم، فالمرشح أو النائب الذي لا يستشعر هموم الناس وأوجاعهم ومعاناتهم ولا يتشارك معهم وطأة الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها، لن يكون صادقاً في تمثيلهم والرغبة في التخفيف عنهم ومساعدتهم..!
كما يجب العمل من خلال المجلس على توفير كل الإمكانات المتاحة لدعم عودة المهجرين بسبب الإرهاب وخاصة الطاقات البشرية المبدعة لأن الوطن بحاجة لجهود الجميع من أجل بنائه وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى السير قدماً في خطط الحوار الوطني والمصالحة الوطنية كي تتضافر جهود الجميع من أجل بناء الوطن وتحصينه من أطماع الأعداء والخصوم.
وفي مطلق الأحوال، لا يحتاج السوريون الصامدون في وطنهم على مدى تسع سنوات لمن يعطيهم دروساً في الانتماء والوطنية والوفاء، فهم جديرون بالتضحيات الكبيرة والعظيمة التي قدموها خلال الحرب، ويعرفون جيداً ما يناسبهم ويحقق طموحاتهم، وسيثبتون للعالم أجمع ـ كما فعلوا في استحقاقات سابقة ـ أنهم شعب حضاري يعرف حقوقه وواجباته جيداً ولن يفرط فيها تحت أي ظرف.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 12 – 3 – 2020
رقم العدد : 17215