ثورة أون لاين – ميساء الجردي:
لم تعد البدائل التي كان يلجأ إليها الشباب خارج منازلهم متاحة أمامهم كما في السابق، جراء الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا وانتشارها الواسع في العالم… كالعلاقات خارج مؤسسة الأسرة، والذهاب إلى العمل، أو المكوث طويلاً في المقاهي والنوادي أو الصالات الرياضية، أو الارتباط لوقت طويل بالأصدقاء على حساب الأسرة… في حين أصبحت القراءة، والتي كانت تملأ فراغاً كبيراً مثلاً منذ سنوات، اهتمامًا ضعيفاً جداً مع ظهور الشخصيات الأسطورية في الأفلام والألعاب وتعلق الشباب بمشاهدتها… وما بين يأس وملل وفقدان أو تخفيض لساعات العمل، وما هو الحل؟ أسئلة كثيرة ستظل تراود الشباب لحين انتهاء مدة العزلة والعودة إلى حياتهم السابقة…
اليأس يصل إلى أمكنة لا يصل إليها فيروس كورونا
(الثورة أون لاين) تابعت تداعيات فيروس كورونا المجتمعية على الشباب، وما يمكن أن يلحق بهم من يأس أو تشاؤم وملل وترك العمل أو تخفيض ساعاته… وفي هذا السياق يؤكد الباحث محمد أحمد عيد خبير العلاقات الإنسانية والتنمية المستقبلية أن اليأس أشد فتكاً من فيروس كورونا نفسه، لأنه يهاجم جزءاً من الجسد ويصل إلى أمكنة لا تستطيع الفيروسات الوصول إليها، فيسيطر على العقل والشعور والعاطفة ويفرغ حياة الإنسان من معناها وقيمتها، وبالمقابل نتفهم شعور الكثير من الأشخاص، وخاصة الشباب، بالضياع في هذه الفترة، وقلقهم بشأن وظائفهم ومستقبلهم المالي الخاص، لأنهم لا يستطيعون الذهاب إلى العمل، وفقدوا روتينهم اليومي. لكنهم مدعوون لأداء مهمة تبدو صعبة للغاية، ويمكن إثبات أنها فرصة، لإعادة بناء حياة يومية جديدة أكثر إيجابية وواقعية وحقيقية… ويضيف الباحث عيد: يمكننا أن نبدأ الآن بخطوة على طريق طويلة تسهم في هدم جدران اليأس، وبناء أبراج الأمل، والتفكير بواقعية ووفق منهجية علمية، وفي ضوء حقائق إنسانية موضوعية اجتماعية؛ إذ لا شيء يصقل عقل الإنسان غير الصعوبة فهي الحافز والدافع إلى الإبداع والخلق والفهم، أما اليأس فهو عدو لتقدم الإنسان وتطوره وطموحه… موضحاً أنه يمكن للشاب استثمار فترة الحجر المنزلي في إعادة تفكيره، ودفعه لتدبير علاقته بذاته وعلاقاته بالآخرين، وبالأخص مع محيطه القريب، وإعادة اكتشاف نفسه، واكتشاف العلاقات الأسرية والعناية بها، فالقليل من الفراغ والملل أحياناً يمكننا من إيجاد الوقت لاستيعاب كل ما يحدث حولنا معاً وعدم الاكتئاب. والفرصة مواتية الآن، ممن لديه الاستعداد من الشباب، لمراجعة الذات، وللعمل عن بعد قدر الإمكان، وكذلك فتح حوار مع الأهل في قضايا اجتماعية وثقافية عامة، والتركيز على الجوانب الإيجابية وإمكانية الحفاظ على التقارب معهم، لتقليص حيز الخلافات في الأسرة، وتحسين العلاقة مقارنة بالسابق، والمساهمة في التخفيف من الضغط والتوتر الذي قد ينتج عن المكوث مدة طويلة في البيت…
تمارين للعقل والجسد
ويرى الباحث محمد أحمد عيد أنه حتى في الحجر المنزلي هناك جناحان نستطيع أن نحلق بهما إلى عوالم أخرى خارج عالم العزلة والتباعد الاجتماعي المفروض بسبب جائحة كورونا، أولهما القراءة، فالقراءة المجدية هي أكسجين العزلة، وتمارين رياضية للعقل، تحميه وتحد من التوتر وردود الفعل النفسية الناتجة بسبب جائحة كورونا، والقراءة فرصة سانحة لإفلات أبنائنا من قبضة فضاء افتراضي غير سوي أو إدمان رقمي؛ فالكتاب حاجة معرفية وعملية نفسية بالغة الأهمية في هذه الفترة، باعتباره مصدراً رئيساً للمعلومات والترفيه، يحارب الشعور بالوحدة والانعزال… أما ثانيهما فهو تحفيز الشباب أفراد أسرتهم على الوقاية ورفع قدراتهم الجسدية، وممارسة اللياقة البدنية والرياضة العائلية الجماعية في المنزل، والتي ستغدو باعتقادي في المستقبل الخيار الأول الأكثر انتشاراً عالمياً، لتحصين الأسرة وتعزيز صحتها الجسدية والعقلية، وتحسين علاقات أفرادها مع بعضهم البعض، وكذلك تحسين رضاهم عن الحياة، وعلينا ألا ننسى أيضاً أنه قبل جائحة كورونا تم إضعاف بنية الجهاز المناعي لكثير من الشباب بالترويج لنظام غذائي وحياتي غير صحي كالوجبات السريعة، والسهر الطويل والتدخين… وانتشار العديد من أشكال الترفيه المتوفرة بكثرة وتتطلب تركيزًا ومشاركة أقل بكثير من القراءة… لذا يبين الباحث عيد أنه بين رياضة العقل ورياضة الجسد يمكن للإنسان الواعي أن يتنفس الأمل والطموح، ويواجه تداعيات انتشار فيروس كورونا والعزلة بعزيمة قوية، وبصحة نفسية وجسدية متينة…
العمل عن بعد
وفيما يخص تداعيات فيروس كورونا (covid-19) على تغير أسلوب حياة الشباب وعملهم في هذه المرحلة يرى عيد خبير العلاقات الإنسانية والتنمية أن تداعيات انتشار الفيروس الهائلة لن تطال فقط التنمية والاقتصاد العالمي والتجارة الدولية والعولمة، وثقافة الاستهلاك العالمية فحسب، بل له تداعياته الاجتماعية أيضاً على الأسر والشباب تحديداً، والعلاقات الإنسانية في العمل، وسيحدث تغييرات عميقة وتأثيرات ملموسة في أسلوب حياة الناس وعملهم وتنقلهم خلال العامين المقبلين وما بعدهما… وربما يصبح المكتب البعيد أو المنزلي والعمل عن بعد أحد نماذج العمل العادية في المستقبل، وأكثر انتشاراً مقارنة بالمكتب التقليدي، لذا يدعو مجتمع ورواد الأعمال الشباب الاستجابة للتحول في ثقافة الشركة وتشكيل طريقة جديدة للعمل، معتمدين على قوة العلم والتكنولوجيا فيها، وتنمية ثقافة مؤسسية موجهة نحو النتائج، خدمة للتنمية الوطنية الشاملة.