ثورة أون لاين-يمن سليمان عباس:
بدلته همومه كفناً من وسادته
يرقب الساعة التي بعدها هول ساعته
شاغل فكر من يراه بإطراق هامته
بين جنبيه خافق يتلظّى بغايته
من رأى فحمة الدجى أضرمت من شرارته
حملته جهنم طرفاً من رسالته
هو بالباب واقف والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف خجلاً من جراءته
صامت لو تكلم لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته خلق الحزم أبكما
وأخو الحزم لم تزل يده تسبق الفما
لا تلوموه قد رأى منهج الحق مظلما
وبلاداً أحبها ركنها قد تهدما
وخصوماً ببغيهم ضجت الأرض والسما
مر حين كاد يقتله اليأس إنما
هو بالباب واقف والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف خجلاً من جراءته.
واحد من الشعراء الذين قضوا العمر كفاحاً ونضالاً من أجل وطنه فلسطين، ومضى في ريعان الشباب، ابراهيم طوقان الصوت الذي يملأ الآفاق حين نردد نشيده الخالد موطني، أو تقرأ قصيدته الشهيد.
وفي الموسوعة الحرة الكثير عن حياته ومحطاتها الحافلة بالألم والعمل، فهو من مواليد عام 1905م، (دخل مرحلة تعليمه الابتدائي في مدرسة الرشيدية في نابلس، ثم انتقل إلى مدرسة المطران (سانت جورج) في القدس ليكمل المراحل المتوسطة، حيث تفتحت عيناه على كنوز الأدب العربي وبدأ يحاول قرض الشعر، وفي سنة 1923 انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت، ونشر آنذاك أول قصائده.
كانت فترة الدراسة أوج مراحل العطاء لطوقان حيث نشر سنة 1924 قصيدة “ملائكة الرحمة” التي لفتت إليه الأنظار، ثم توالى نتاجه الشعري الوطني والإنساني، ولقبته الصحف بشاعر.
عاد ليدرّس في مدرسة النجاح في نابلس، ثم عاد إلى بيروت للتدريس في الجامعة الأميركية حيث عَمِلَ مدرساً للغة العربية بين عامي 1931 و1933، ثم عاد بعدها إلى فلسطين.
في عام 1936 تسلم القسم العربي في إذاعة القدس وعُين مُديراً للبرامجِ العربية، ولكنه لم يبق طويلاً هناك، حيث أقيل من عمله من قبل سلطات الانتداب البريطاني عام 1940. انتقل بعدها إلى العراق وعملَ مدرساً في دار المعلمين العالية، ثم عاجله المرض فعاد مريضاً إلى وطنه، ولقب بشاعر الجامعة.
ثقافته الأدبية وإبداعه الشعري
ولد إبراهيم طوقان في بيئة ثقافية وفكرية جيدة، فقد نشأ في أسرة متفتحة على الحياة والعمل والمطالعة والدراسة، فجده كان يقول الشعر والزجل، وأمه كانت تقرأ على مسامعه القصص والروايات للكثير من الأدباء والكتاب مثل: قصص عنترة، أبي زيد الهلالي، سيف بن ذي يزن، وغيرهم. أما والده فقد أعده هو وإخوته للحياة إعداداً يقوم على اللباقة والحكمة ومسايرة الزمن في التطور واكتساب المعرفة.
ثم أتيحت له الفرصة وهو طالب في القدس للالتقاء بالأستاذ الكبير نخلة زريق، الذي قرب إبراهيم طوقان للغة العربية والشعر القديم. كان لفترة إقامته في بيروت، أثناء دراسته في الجامعة الأميركية لمدة ست سنوات، تأثير كبير على صياغة شخصيته الثقافية وصقل موهبته الإبداعية، فلقد تمكن في أثناء رحلته الدراسية وطلب العلم من إتقان عدة لغات أجنبية، كالإنجليزية علاوة على لغات أخرى مثل التركية والألمانية، والإسبانية. كما أنه التقى في بيروت بنخبة من الأدباء والمفكرين مثل وجيه البارودي، وحافظ جميل، وعمر فروخ، حيث كونوا معاً حلقة أدبية تحت عنوان “دار الندوة”. كان أيضاً على صلة وثيقة بالشاعر الكبير بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير.
كان يعاني منذ صغره من مجموعة من الأمراض التي أنهكت جسده، وجعلته ضعيف البنية بالإضافة إلى ألم في الأذن، ومن قرحة في المعدة، والتهابات في الأمعاء، وقد صاحبته هذه الأمراض طوال حياته فلم يسلم منها حتى وفاته عام 1941م.
ومن روائعه الخالدة:
موطني موطني الجلالُ والجمالُ والسَّنـاءُ والبهـاءُ في رُبـاك
والحيــــــاةُ والنّجـــــــاةُ والهـناءُ والرّجاءُ في هـواك
هل أراك سالماً مُنعّـماً وغانماً مُكرّماً
هل أراك فـي عُلاك تبلغُ السّماك
مَوطني الشبابُ لن يكلَّ همُّهُ أن تستقـلَّ أو يبيد
نستقي من الرّدى ولن نكون للعـدى كالعبيد
لا نُريد ذُلّنا المؤبّدا وعيشنا المُنكّدا
لا نُريد بل نُعيد مجدنا التّليد
مَوطني موطني الحسامُ واليراعُ لا الكلامُ والنزاعُ رمزنا
مجدُنا وعهدُنا وواجبٌ إلى الوفا يهزُّنا
عِزُّنا غايةٌ تُشرف ورايةٌ تُرفرفُ
يا هَنَاك في عُلاك قاهراً عِداك مَوطني.