الملحق الثقافي:سهير زغبور:
عندما نذكر أدب الاعترافات سيخطر لنا غالباً وللوهلة الأولى تلك الخصوصية لهذا النوع من الأدب، إذ إن كلمة «اعتراف» بحد ذاتها ستخلق عند القارئ فضولاًَ جامحاً لمعرفة مضامين تلك النتاجات الأدبية وما قد تنطوي عليه من أمور كانت طي السرية لحياة الكاتب. فآثر نشرها بكل ما قد تكون عليه من أخطاء وسقطات ونهوض وضعف وقوة، وستكون مادة دسمة للقراءة.
أما إذا عدنا الى الكاتب فإننا سنتعرف عن كثب على ماهية تلك الخصوصية، التي تتركز أولاً في شخصيته وشجاعته وتصالحه مع ذاته وشفافية علاقته بمجتمعه، لأن كل ذلك يعد ماوراء الخط الأحمر. وثانياً فهو مدى تقبل المجتمع لهذا النوع من الأدب وتناسبه مع قيمه وعاداته وتقاليده إذا اصطدم بكل ما ذكرناه. لذا كان أغلب الكتاب يوصون بنشر اعترافاتهم بعد رحيلهم. لكننا كيفما نظرنا إلى الأمر فهو جريء جداً.
لذا كان المجتمع الغربي سباقاً لولادة أدب الاعترافات وبيئة خصبة لاستمراره. وفي هذا السياق لا يمكن إلا أن نذكر جان جاك روسو، الكاتب السويسري الشهير والذي يعد من أهم كتاب عصر التنوير. برزت «اعترافات جان جاك روسو» في اعماله الأدبية، حيث اتسمت بالإحساس بالذنب ولغة العواطف في عالم رآه رافضاً له.
يقول: «وما يحز في قلبي عند الانزلاق، هو أنني كنت قادراً على الصمود». ويقول أيضاً: «الناس يصرون على رؤيتي على صورة تخالف تماماً ما أنا عليه، وأنهم لن يروا في مكاني سوى الشخص الذي صاغوه لأنفسهم وشكلوه وفق هواهم، ليكرهوا كما يشاؤون. وإذاً فإنني أكون مخطئاً لو أنني تأثرت من الطريقة التي يرووني بها. إذاً لا يجب أن أعيرها أي اهتمام حقيقي، لأني لست أنا من يرونه على هذه الصورة».
أما الكاتب الروسي الشهير ليف تولستوي، فقد كان لاعترافاته سمة مميزة وهو المنحدر من عائلة طائلة الثراء، ليكون صاحب الدعوة الى الوئام والإخاء والسلام غير آبه بتلك الثروة. فقدم نفسه دون إغفال أي جانب من جوانب حياته. يقول: «وهكذا ختمت مرحلة البلاهة من حياتي في باكورة شبابي، وانتهت علاقتي بالدراسة الجامعية بسبب ضعف أخلاقي وانصرافي عن الدرس، وكتبت في سجل حياتي أنني كنت طالباً فاشلاً لم يصلح للعلم والثقافة».
أما إذا انتقلنا إلى المجتمع العربي فإننا نرى هذا النوع الأدبي قد تأخر جداً حتى برز وما زال نادراً، لأن معوقات نموه جلية في عدم جراة الكاتب من جهة وعدم تقبل المجتمع له من جهة أخرى. فجاء على هيئة سيرة ذاتية في قالب روائي أحياناً، حيث يسقط الكاتب شخصيته وما يمر به على أحداثها متوارياً خلف شخصياتها أو عبر الكاتب عن ذاته في كتاب ضمنه أبرز محطات حياته مركزاً على جمالية اللغة أكثر من تلك التفاصيل. ولعل كتاب «الأيام» لطه حسين هو خير شاهد على ذلك، حيث سرد قصة حياته فجاءت حيادية موضوعية تتسم بالتواضع والاعتراف بالأخطاء والصبر على مصاعب الحياة واعتماد طرقها بوجود من يحب. يقول لزوجته سوزان: «بدونك أشعر أني أعمى حقاً. أما وأنا معك فإني أتوصل إلى النور بكل شيء، وإني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي».
التاريخ: الثلاثاء19-5-2020
رقم العدد :999