الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
لا يمكن عدّ المقالة الأدبية سيرة ذاتية للمؤلف، وهذا أمر معروف منذ زمن بعيد، ولا سيما إذا ما كان يعني نتاج كاتب مبدع، وفنان قلما يجود الزمان بمثله كميخائيل أفانيسيفتس بولغاكوف. إذ إن أبعاداً كبيرة المقاييس تفصل بين شخوصه وأصولهم، وبين الأحداث الحقيقية ومغازي المقالات واللوحات التي يرسمها بولغاكوف.
وميخائيل بولغاكوف هو روائي ومسرحي روسي وُلد في15 أيار 1891 في مدينة كييف الروسية لعائلة بروفيسور في أكاديمية كييف الدينية، وعاش طفولته وشبابه في هذه المدينة، حيث كان يعمل طبيباً، وكتب العديد من الأعمال الأدبية لعل أشهرها روايته )المعلم ومارغريتا) التي نُشرت بعد ثلاثة عقود على وفاته، وتوفي في موسكو عام 1940.
والقارئ لأعمال بولغاكوف يصادف فيها عادة أسماء حقيقة، وأشخاصاً موجودين في الواقع، أو تلميحات شفافة إليهم، ووصفاً لأحداث تاريخية ومدن وقرى وشوارع وأبنية ووسائل معيشة. فقد عُرف عنه انتقاء مصادره بدقة متناهية مستعيناً بالمكتبات، والكتابات التاريخية، والذكريات الشفوية لشهود عيان عايشوا الحدث. إلى جانب اعتماده على كل ما دوّنه من كتابات وملاحظات وانطباعات شخصية، حتى إنه قد درس الخرائط والمواقع الحربية في الحرب الأهلية. وهكذا عمل بولغاكوف مع كل مؤلفاته فجاءت كتاباته غنية بالتفاصيل والأشكال الدقيقة، كما أن نماذج شخوصه كانت إيجابية وجيدة في حد ذاتها، وممتعة كذلك، فهي لم تكن شيفرات ولا أساطير ورموزاً، بل كانت مستمدة من حياة حقيقية، وأشخاص واقعيين.
المذكرات
وضمن «المشروع الوطني للترجمة» أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب ترجمة لعمل ميخائيل بولغاكوف (مذكرات على أساور الأكمام)، ترجمة: شريف ناصر.
كتب بولغاكوف هذا العمل – أي (مذكرات على أساور الأكمام) – على امتداد ثلاث سنوات تقريباً، وقد انبثق مما دوّن من ملاحظات ويوميات في فلاديقوقاز، ومسودات كُتبت في باتومي وموسكو، وقد نشر المؤلف مقتطفات من مخطوطه هذا، وقرأها على الحاضرين. وفي كل مرة كان يعود ليعمل على الكتاب تنقيحاً وتصويباً، بناء على ملاحظات الناشرين ومراقبي العمل.
ينطوي هذا الكتاب أساساً على فكرة محببة إلى قلب المؤلف، تقول إن من المستحيل إيقاف الحياة، وقد ضمّنها الكاتب مثله العليا، ومبادئه الحياتية بدقة. كما تناول هذا العمل كذلك الحديث عن قبح ظروف الواقع، والملامح الرهيبة له، وقد خاض بولغاكوف في هذه المواضيع كافة بأسلوب مرح متنوّر، تجول فيه مسحة حزينة وثقيلة دون بروز النقد والسخرية.
فبولغاكوف انتقل من الحماس المأساوي في (المورفين) و(التاج الأحمر)، إلى الفكاهة المرحة في أقصوصة (بحيرة الكحول البلدي)، والنقد الساخر في (البيوض القاتلة) و(قلب كلب).
وإذا ما نظرنا من زاوية مختلفة إلى هذه السيرة الذاتية (مذكرات على أساور الأكمام)، مقارنين نصها مع مصادر تاريخية مختلفة، نرى أن الكاتب يدفع بالزمن إلى الأمام على هواه، أي إنه كان بكلام آخر، يختصر الأحداث، ويبدل الأسماء الحقيقية وأسماء الاُسر. وإن كان هذا الأمر غير مسموح به في المذكرات، ففي الأدب الأصيل هو ضرورة حتمية لا يمكن تحاشيها.
وعليه، وعلى اعتبار أن بولغاكوف قد نشر نثره المبكر هذا في أصعب ظروف الحياة الروسية، وفي أعقد لحظات التاريخ الروسي، فهو – أي هذا النثر – يحتفظ بأهمية الوثائق الإنسانية، والشهادة التاريخية. ولهذا تتتالى كتابات المؤلف في هذا الكتاب مع ما مر في حياته من أحداث، وليس مع زمن كتابتها.
التاريخ: الثلاثاء19-5-2020
رقم العدد :999