المعلمون المنسيون في القرى النائية.. بين التحديات اليومية وصمود الرسالة التربوية

الثورة – إيمان زرزور:

تُعد العملية التعليمية من الركائز الأساسية التي تُبنى عليها نهضة المجتمعات، ويقف المعلمون والمعلمات في قلب هذه العملية بوصفهم حملة المعرفة وصناع الأجيال، لكن في سوريا، وتحديداً في القرى والمناطق النائية، يواجه العاملون في قطاع التعليم ظروفاً قاسية تعيق قدرتهم على أداء دورهم الحيوي، في ظل تحديات مركّبة تبدأ من انعدام البنية التحتية، ولا تنتهي عند حدود التهديد الأمني اليومي.

عانى المعلمون لسنوات طويلة في ظل الحرب من مشقات كبيرة في الاستمرار في العملية التعليمية في ظل النزوح المستمر ليس للطلاب فحسب، بل للمعلمين أنفسهم الذين عانوا القتل والاستهداف في المدارس والتشرد من منطقة إلى أخرى، لكن عزيمتهم لم تلن، ورسالتهم بقيت مستمرة حتى في مناطق النزوح.

رغم ضعف الإمكانيات بادر الكثير من المعلمين إلى مواصلة العملية التعليمية للأطفال في المخيمات ومناطق النزوح، وقاموا بإنشاء غرف صفية في خيمة أو تحت سقف إسمنتي، دون مقاعد أو لوجستيات، وحاولوا جاهدين بدون أجور مواصلة تعليم الأطفال، لإدراكهم أن غياب التعليم سيساهم في نشر الجهل وقتل الجيل فكرياً.

ومع عودة آلاف العائلات السورية من بلاد اللجوء أو مناطق النزوح إلى قراها وبلداتها في الريف النائي، باتت المشقة والتحديات كبيرة، إذ تفتقر غالبية هذه القرى لأبسط مقومات إعادة تفعيل العملية التعلمية، فالمدارس قصفت ودمرت، والجيل العائد من الأطفال منهك، فوارق كبيرة بين مستوى تعلمهم وأعمارهم، علاوة عن مشقة تأمين المستلزمات الدراسة والكتب وتكاليف العملية التعليمية.

تقع معظم المدارس في المناطق الجبلية والريفية الوعرة، حيث المدارس مدمرة والطرق غير معبّدة بفعل سنوات الحرب، ويضطر المعلمون إلى قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام، أو باستخدام وسائل نقل بدائية ومكلفة، هذه المشقة اليومية لا تؤثر فقط على صحتهم الجسدية والنفسية، بل تنعكس على انتظام العملية التعليمية، مع تكرار حالات التغيب القسري بسبب تعذر الوصول إلى المدرسة.

تعاني المدارس في هذه المناطق من غياب الكهرباء والمياه والاتصالات، ما يجعلها بيئات تعليمية منهكة وغير مؤهلة، وتؤدي هذه الظروف إلى عزلة المؤسسات التعليمية عن إداراتها، كما تحول دون تنفيذ أي برامج تدريبية أو تطويرية حديثة، ما يزيد من تراجع جودة التعليم وتفشي ظاهرة التسرب المدرسي.

وتفتقر معظم المدارس في القرى النائية إلى وسائل التدريس الحديثة، والكتب، والمقاعد، وحتى أدوات القرطاسية الأساسية، كما أن الصفوف غالباً مكتظة، والبيئة المحيطة غير محفّزة على التعلم، سواء للطلاب أو الكادر التعليمي، ومع غياب الدعم اللوجستي، يتحوّل التعليم إلى مجهود فردي يعتمد فقط على حماسة المعلم وإيمانه برسالته.

يرى عدد كبير من المعلمين أن الرواتب التي يتقاضونها لا تتناسب مع حجم الجهد المبذول والمخاطر اليومية التي يواجهونها، ويعاني كثيرون من صعوبة تغطية نفقات النقل، أو توفير احتياجاتهم الأساسية، ومع غياب الحوافز والدعم الحكومي والإغاثي الكافي، يختار بعضهم مغادرة المهنة، أو الانتقال إلى المدن بحثاً عن فرص أفضل، أو حتى الهجرة خارج البلاد.

لمواجهة هذا الواقع الصعب، لا بد من تحسين البنية التحتية للطرق وتوفير وسائل نقل خاصة بالمعلمين، ورفع الرواتب لهذه الفئة من المعلمين وتقديم حوافز مالية ومعنوية لتثبيت الكوادر التعليمية في المناطق النائية، علاوة عن تجهيز المدارس بالوسائل التعليمية الحديثة والكتب والأدوات، وإطلاق برامج تدريبية عن بُعد لتعويض نقص الفرص التدريبية وتطوير كفاءة المعلمين.

المعلمون والمعلمات في القرى السورية النائية ليسوا مجرد موظفين، بل هم أبطال صامتون يقاتلون يومياً في سبيل المعرفة، يبنون العقول في أحلك الظروف، ويزرعون الأمل في القلوب المنهكة.

دعمهم لا يُعدّ فقط واجباً أخلاقياً، بل استثماراً ضرورياً لبناء مجتمع مستقر ومتعلم.

آخر الأخبار
حمد بن جاسم: مخططات تقسيم سوريا تهدد أمن الخليج والمنطقة بحاجة لرؤية موحدة معرض المنتجات الريفية بحجيرة.. حكاية تنسجها الأيادي الماهرة تكريم "أبناء الشهداء" في إدلب.. وفاءً للتضحيات ورسالةَ أملٍ للأجيال الشيباني يبحث مع سفير البحرين تطوير العلاقات وتعزيز التعاون جهود ميدانية مكثفة في ريف اللاذقية لإخماد الحرائق رغم تحديات التضاريس ومخلفات الحرب وزير الإعلام يبحث في برلين تعزيز التعاون بين سوريا وألمانيا "إطفاء حسياء" ينفذ مهمة نوعية لضمان تغذية كهربائية للمستثمرين تفعيل قسم الجراحة وعيادة الأطفال بمستشفى صلخد الوطني الأمم المتحدة تخصص 625 ألف دولار لدعم الاستجابة الطارئة في اللاذقية "صندوق التنمية".. أداة وطنية لإعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية يوم حقلي لتجربة صنف بذار بطاطا جديد في درعا صندوق الإعمار يمول المشاريع بشكل مباشر بلا تعقيدات بيروقراطية صندوق التنمية.. رافعة استثمارية جديدة ونهج لإدارة الأزمات الاقتصادية لليوم الثامن ..استمرار جهود الإطفاء في اللاذقية بمشاركة محلية وإقليمية وزير الطوارئ.. فرق من الرقة والحسكة ودير الزور تشارك في إخماد حرائق اللاذقية متابعة الواقع الفني والتقني لمحطة تحويل كهرباء أيوبا بالقنيطرة من رقابة الأمن إلى رقابة المجتمع.. هل يتحرر العمل الأهلي متمكناً بالثقة المجتمعية!؟ مشروع لتحسين غزارة إرواء مدينة درعا بمياه الشرب الشرع: أهمية الشفافية وضمان مشاركة واسعة بانتخابات مجلس الشعب  تربية القنيطرة: تصحيح مواد شهادة التعليم الأساسي بكفاءة ودقة