الثورة – ميساء العلي:
يقول آدم سميث الاقتصادي البريطاني في كتابه ثروة الأمم: “لا يمكن الحديث بإصلاح ضريبي ما لم نمهد له الأرضية الصلبة، ونُقر بأن أول أركانه العدالة الضريبية”.
إذاً لابد من القواعد وأولها كما قلنا العدالة الضريبية، وثانيها الوضوح بكل حيثيات الضريبة إلى آخر تلك القواعد المعمول فيها في معظم دول العالم.
على مدى سنوات تم تشكيل عدة لجان لإصلاح النظام الضريبي في سوريا، والذي يعود للعام 1949 وآخر لجنة كانت في زمن النظام المخلوع، إلا أنها لم ترشح عن نتائج واضحة للوصول إلى العدالة الضريبية.
اليوم وبعد تحرير سوريا اقتصادياً وسياسياً ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية والمؤشرات بعودة الاستثمارات المحلية والأجنبية، بات لزاماً وجود نظام ضريبي يحقق العدالة الضريبية والتنمية الاقتصادية.
وفي هذا السياق تم تشكيل لجنة للإصلاح الضريبي ضمت جميع الشرائح الحكومية والاقتصادية، وكان لافتاً هذه المرة وجود ممثلين عن القطاع الخاص وستتولى هذه اللجنة مراجعة ودراسة النظام الضريبي وكل التشريعات النافذة واقتراح التعديلات اللازمة في إطار رؤية الإصلاح للسياسة الضريبية، وقد أعطيت فترة زمنية لغاية الثلاثين من شهر تموز القادم.
وقد عقدت لجنة الإصلاح الضريبي أول اجتماعاتها للوصول إلى نظام ضريبي أكثر عدالة وفعالية، حيث خلص إلى تحديد مسارات إصلاح تركز على تبسيط الإجراءات، تقليل الضرائب وتوحيدها، تعزيز الشفافية والعدالة، دعم الشراكة مع القطاع الخاص، التحول الرقمي، وتشجيع الالتزام الطوعي.
صحيفة الثورة تفتح ملف الإصلاح الضريبي وتتناول الموضوع مع عدد من الخبراء ورجال الأعمال.
إصلاح شامل
يقول الدكتور حسن حزوري أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب: إن بناء نظام ضريبي عصري وحديث بدل النظام الضريبي المعتمد حالياً يتوافق مع مبادئ الاقتصاد الحر التنافسي، يتطلب إصلاحاً شاملاً يحقق العدالة والكفاءة والشفافية، ويحفّز النمو الاقتصادي ويواكب التحولات على الصعيد العالمي يتكون مما يلي:
المبادئ الأساسية للنظام الجديد، العدالة الضريبية، فرض الضرائب بناءً على القدرة على الدفع (تصاعدية مع الدخل)، تقليص الإعفاءات الضريبية العشوائية، إدراج الاقتصاد غير الرسمي أو غير المنظم تدريجياً، الشفافية والمساءلة، نظام واضح ومعلن للضرائب، نشر تقارير دورية عن الإيرادات والنفقات، مكافحة الفساد في التحصيل وفي الإنفاق، الحيادية الاقتصادية، عدم تدخل النظام الضريبي في توجيه السوق إلا عند الضرورة (الضرائب الخضراء مثلاً)، إزالة التشوهات في النظام الضريبي (مثلاً: مكافحة الازدواج الضريبي أو فرض ضرائب غير عادلة بين قطاعات).
مقترحات
وحول مكونات النظام الضريبي العصري المقترح يقول حزوري إنه يتضمن: أولاً ضريبة الدخل الموحدة (للأفراد والشركات)، ونظام تصاعدي للفرد (شرائح على أساس الدخل)، وضرائب على أرباح الشركات بمعدل تنافسي (مثلاً: 15بالمئة -20 بالمئة)، ودمج ضرائب أرباح المهن الحرة والتجار ضمن النظام الموحد.
أما ثانياً: ضريبة القيمة المضافة (VAT)، واستبدال ضريبة الإنفاق الاستهلاكي الحالية أو ضرائب المبيعات بـ VAT بنسبة موحدة (مثلاً 10 -12 بالمئة)، وتعاد الضريبة في مراحل الإنتاج كافة، ما يزيد الشفافية ويشجع على التوثيق المحاسبي.
وثالثاً ضرائب بيئية وعقارية، بقصد حماية البيئة، تفرض ضرائب على التلوث كل من يلوث البيئة وخاصة السيارات التي تعمل على الوقود مازوت أو بنزين، التي يزيد عمرها على 10 سنوات، وبحيث تزداد هذه الضريبة كلما ازداد عمر السيارة، وضريبة عقارية دورية على الأملاك الكبيرة أو غير المستثمرة، لتفعيل سوق العقار وتشجيع الاستخدام الإنتاجي للأصول.
رابعاً، والكلام لحزوري، الضرائب على الثروة (محدودة ومدروسة)، والبنى التحتية، وبالنسبة للبنية التحتية المطلوبة بحسب حزوري، ورقمنة النظام الضريبي، التحصيل، التقييم، التبليغ، والسداد يتم إلكترونياً، قواعد بيانات متكاملة عن المكلفين والدخل والنشاطات، الإصلاح المؤسساتي، استقلالية الهيئة العامة للضرائب والرسوم، تدريب الموظفين، وتحديث آليات الرقابة، التكامل مع السياسات الاقتصادية، التوافق مع السياسة النقدية والمالية، وتصميم الضرائب لتحفيز الاستثمار (مثلاً: إعفاءات مشروطة للمشاريع الناشئة أو الخضراء).
أما مرحلة الانتقال فتبدأ بالإصلاح التدريجي، ولا يمكن فرض نظام شامل دفعة واحدة، وتبدأ الإصلاحات من القطاعات المنظمة، وتوسع تدريجياً نحو الاقتصاد غير الرسمي، مع تحفيزات للاندماج، تحفيز الالتزام الطوعي، وتقديم حوافز (تخفيضات، خدمات أفضل، ضمانات قانونية) كذلك تسوية عادلة للمتخلفين عن تسديد الضريبية.
أما عن الأمثلة من دول ناجحة، جورجيا مثلاً تبنت نموذجاً ضريبياً بسيطاً وشفافاً، مما ساعد في مكافحة الفساد وجذب الاستثمار كذلك رواندا: طوّرت نظاماً ضريبياً رقمياً مرناً، رغم محدودية الموارد، ودول البلطيق: استخدمت ضرائب منخفضة لكنّها فعّالة، مع نظام إدارة إلكتروني متكامل على حدّ قول حزوري .
كيف نبدأ؟
هنا يشير حزوري إلى أهمية صياغة قانون ضريبي جديد بالتشاور مع خبراء من كلّ القطاعات..
الاقتصاد، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وهذا ماتكونت منه اللجنة التي شكلها السيد وزير المالية لاصلاح النظام الضريبي، إطلاق حملة تثقيف ضريبي وطني لبناء الثقة والوعي، وإدماج النظام الضريبي الجديد في الرؤية الاقتصادية لسوريا المستقبل كأداة لإعادة الإعمار والتنمية.
استقرار اقتصادي
من وجهة نظرالخبيرالاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي حول إصلاح النظام الضريبي في سوريا يقول: تعد الضرائب من أهم الأدوات التي تستخدمها الدول لتنظيم النشاط الاقتصادي، حيث يتم فرضها على الأفراد والمؤسسات لتمويل النفقات العامة، مثل تطويرالبنية التحتية، توفيرالتعليم والرعاية الصحية، وتعزيز برامج التنمية الاجتماعية.
إضافةً إلى ذلك، تلعب السياسات الضريبية دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرارالاقتصادي عبر التحكم في معدلات الضرائب وفقاً للظروف الاقتصادية، سواء لتشجيع النمو أو للحدّ من التضخم.
أداة لتحقيق الاستقرارالاقتصادي
ويضيف قوشجي تستخدم الدول السياسات الضريبية لضبط النشاط الاقتصادي وفقاً للمرحلة التي يمرّ فيها ففي فترات الركود، يتم تخفيض الضرائب لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار، ما يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، كما يمكن استخدام الإعفاءات الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية، كما فعلت أيرلندا عندما خفضت الضرائب على الشركات إلى 12.5 بالمئة مما جعلها وجهة رئيسية للشركات متعددة الجنسيات.
ويشير قوشجي إلى أنه في فترات التضخم، يتم رفع الضرائب لتقليل الإنفاق الاستهلاكي والحدّ من الطلب، مما يساعد على ضبط الأسعارواستقرارالأسواق.
وقد طبقت ألمانيا سياسات ضريبية صارمة لمنع التهرب الضريبي، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة، مما ساهم في تحقيق توازن مالي مستدام.
وحول إصلاح النظام الضريبي في سوريا، والحاجة إلى تكامل مالي يقول قوشجي: يعاني النظام الضريبي في سوريا من غياب التنسيق والوضوح بسبب كثرة القرارات الضريبية المتناقضة، والتي غالباً ما كانت تصدر وفقاً لتوجهات سياسية غير متسقة، ما أدى إلى ضعف البيئة الاستثمارية وغياب العدالة الضريبية، لذلك فإن إعداد قانون ضريبي جديد يُعد ضرورة ملحّة لتحقيق الاستقرارالمالي وتحفيز النمو الاقتصادي، وضمان استدامة التنمية.
دروس مستفادة
يرى قوشجي أنه يمكن لسوريا الاستفادة من النماذج العالمية الناجحة في الإصلاح الضريبي من خلال:
– تحقيق التوازن بين الضرائب والرفاه الاجتماعي كما فعلت السويد، حيث يتم فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة لضمان تمويل الخدمات العامة من دون التأثير السلبي على الطبقات الفقيرة.
– جذب الاستثمار من خلال سياسات ضريبية محفزة، كما فعلت سنغافورة عبرتقديم إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة، مما عزز بيئة الابتكاروريادة الأعمال.
– تعزيزالشفافية والمساءلة المالية، كما فعلت ألمانيا من خلال فرض رقابة صارمة للحدّ من التهرب الضريبي وضمان الامتثال للقوانين.
– إعادة هيكلة الضرائب لدعم الاقتصاد المحلي، كما طبقت الولايات المتحدة عندما خفضت الضرائب على الشركات لتحفيز النمو، رغم بعض التحديات المتعلقة بالعجز المالي.
مقترحات
ويقترح قوشجي لإصلاح النظام الضريبي السوري، إعادة هيكلة النظام الضريبي ليشمل توازناً بين الضرائب التصاعدية والمحفزة للاستثمار، مما يعززبيئة الأعمال ويحفز ريادة الأعمال، وتعزيز العدالة الضريبية عبروضع شرائح ضريبية عادلة تأخذ في الاعتبارالفروقات بين الأنشطة الاقتصادية، لضمان توزيع عادل للعبء الضريبي.
إضافة إلى تحفيزالاستثماروالتوظيف، والكلام لقوشجي، من خلال خفض الضرائب على الشركات التي توفر فرص عمل أكثر، مما يسهم في نمو الاقتصاد المحلي ومعالجة البطالة، ومكافحة التهرب الضريبي عبر تحسين آليات الرقابة، وضبط العلاقة بين الوزارة والمكلفين لضمان الامتثال الضريبي.
ويقترح أيضاً أن تكون ضرائب قطاع التعليم والصحة صفرية لتخفيض تكلفة التعليم والطبابة في سوريا وهي ضرورة ملحة في هذه المرحلة، كذلك يجب أن يشمل النظام الضريبي الجديد أساليب لدعم المتقاعدين الذين دفعوا من رواتبهم ضرائب مباشرة خلال فترة عملهم، كتأمين صحي شامل مجاناً أو تعزيز رواتبهم التقاعدية بشكّل يغطي الفوارق التي دفعوها مقابل تدهور قيمة الليرة السورية.
ويختم كلامه بالقول: إن إصلاح النظام الضريبي السوري يتطلب نهجاً متكاملاً يجمع بين العدالة الضريبية، تحفيز الاستثمار، وتعزيز الشفافية المالية، ومن خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، يمكن لسوريا بناء نظام مالي قوي يدعم إعادة إعمار المؤسسات الحكومية والبنية التحتية، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام، وإن التأخير في إعداده يعني التأخير في جذب الاستثمارات وتراجع معدل النمو الاقتصادي.
ليس جديداً
من جانبه قال نائب رئيس غرفة تجارة دمشق السابق محمد حلاق إنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيها القطاع الخاص بصياغة قانون ضريبي جديد، فالقضية ليست موضوع إشراك وإنما إلى إي حد نحن قادرون أو نؤمن بأن القطاع الخاص بفكره وحقيقة عمله شريك حقيقي مع وزارة المالية.
فالزبون الخاص بالمالية هو القطاع الخاص، أي رجل الأعمال والصناعي وصاحب الدكان، وصاحب المنشأة السياحية، فإذا اغلقوا فالمالية لا دور لها، لذلك من المهم معرفة احتياجات الزبون والوقوف على حقيقة عمله، وأن نكون صادقين معه نقدم له الأفضل ويؤخذ منه حق الخزينة من الضريبة بحيث لا يكون هناك تهرب ضريبي أو سوء استخدام للسلطة أو تجاوز حدود بالنسبة لوزارة المالية.
الخلاف بأسس العمل
ويرى حلاق أن القضية الخلافية بين قطاع الأعمال ووزارة المالية هي أسس العمل، فالقضية ليست فقط نظاماً ضريبياً، بل بيئة أعمال، ومناخ العمل الذي كنا نعاني منه سابقاً هو تضارب التشريعات مع بعضها البعض، ففي مكان ما وزارة التجارة تطالب بشيء والمالية لا تقبله.
وحتى نخرج من هذا الخلاف نحن بحاجة لأن يكون الإصلاح شاملاً لكل القوانين والتشريعات التي تخص العملية الإنتاجية والسياحية والتجارية أو الزراعية بشكل متكامل من البداية إلى النهاية.
بمعنى عندما استورد بضاعة يجب أن تقبل كل المصاريف والنفقات والأعباء ضريبياً، وأيضاً لدينا موظفون وسيارات وحوادث ونفقات يجب أن تقبل جميع تلك النفقات، إضافة لموضوع التأمينات الاجتماعية يجب أن تكون الأرقام التي سأدفعها كرب عمل في ظل هذا التضخم مقبولة على حد قول الحلاق.
وأكد أنه يجب أن يكون لدى العامل رغبة بالتسجيل بالتأمينات الاجتماعية، ولا يتهرب من التأمينات الاجتماعية، لأن مشكلتنا الحقيقية أن العامل هو من لا يريد أن يسجل بالتأمينات الاجتماعية، وبذلك نكون قد قمنا بإصلاح بنية العمل بشكل كامل بحيث تكون مشجعة والأرقام مقبولة، ووصلنا بذلك إلى ضريبة الرواتب والأجور للعامل بحيث تكون مقبولة وخاصة الحد الأدنى المعفى من الضريبة.
وقال: يجب أن يكون هناك معايير للعمل بالاقتصاد والتجارة الداخلية لجهة أسلوب الفوترة وضريبتها وقبول النفقات والمصاريف، بحيث تكون منطقية، خاصة وأن مجتمع الأعمال لدينا صغير وبسيط يشكل جزءاً كبيراً من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ترميم الثقة
ليذهب حلاق بعد ذلك إلى وزارة المالية بحيث يعتبر المكلف صادقاً ما لم يثبت العكس.
علاقة الثقة وترميمها بين المكلف والدوائر المالية بحاجة إلى وقت، فالمكلف إذا لم يشعر أنه يدفع ضريبة دخل عقلانية ومقبولة للنفقات والمصاريف التي يتحملها مع الحد الأدنى من الدخل كل هذه المنظومة إذا لم يتم إصلاحها بشكل كامل ومتكامل لن نستفيد شيئاً.
وأضاف إن وجود المحاسب القانوني سيشكل عبئاً على المؤسسة، خاصة إذا كانت مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر أو محلات بسيطة فهذا سيكون عبئاً على المكلف.
مستحيل
ورأى أنه من المستحيل أن يتم هذا العمل الإصلاحي للنظام الضريبي خلال شهر وأن نخرج بنتيجة، وهناك نقطة مهمة – بحسب حلاق- مفادها هل كل الموجودين على الأرض بالنسبة لهذا الموضوع قادرون على تقديم الدور المطلوب منهم، فهناك نقطة مهمة باللجان جميعنا يعرفها أول يوم تتم فيه الدعوة إلى اجتماع الجميع يحضر بعد ذلك يتناقص العدد ليصبح من يحضر الاجتماع أقل من النصف، وهذا الموضوع شائك، فهل جميع من تمّ تسميتهم في هذه اللجنة يكون قادراً على إعطاء الوقت والجهد والفكر ولديه الفكر والخبرة وأرضية مسبقة.
قواعد عمل
وقال: أنا كان لدي وجهة نظر عرضتها على وزير المالية بلقاء في غرفة تجارة دمشق أننا بحاجة إلى فترة زمنية لإعادة ترميم الثقة مع الدوائر المالية، وأن تكون البداية من الجمارك بحيث نأخذ من المكلف سلفة ضريبة دخل على كل المستودرات هذا الإجراء تمّ قبل الثورة واستمر لمدة ثلاث سنوات، وكانت حينها المالية قد قبلت بسلفة ضريبة الدخل كضريبة قطعية، والفكرة منها أن وزارة المالية خففت العبء والجهد عنها من أن تدخل بدراسة الدفاتر لمدة ثلاث سنوات حتى تكون المالية قد أصبحت قوية وركزت الأضابير والمعايير التي ستعمل عليها.
كلّ ما تحتاجه سوريا اليوم قواعد وضوابط عمل وتعزيزالثقة بين قطاع الأعمال والداوئر المالية.
قديم الدكتورة والوزيرة السابقة لمياء عاصي قالت في حديث خاص ل”الثورة”: أن النظام الضريبي الحالي في سورية قديم جدا ، فهو يعود الى عام 1949، وبغية تطويرالنظام الضريبي، واعتماد نظام جديد يسايرأهم المستجدات الاقتصادية التي حصلت بفضل التحول السياسي في البلاد، من اعتماد نظام سوق حر والتخطيط لبناء شراكات قوية وفاعلة مع القطاع الخاص بالإضافة إلى اجتذاب الاستثمارات الواعدة إلى السوق السورية ، أصبح من الهام والضروري اعتماد النظم الضريبية الحديثة، التي تقوم على ثلاثة ركائز أساسية، وهي الضريبة الشاملة على الدخل وضريبة القيمة المضافة واستخدام التقانة كبنية أساسية للعملية الضريبية المختلفة في كلّ مراحلها.
وتتابع: في هذا الإطار، شكّلت وزارة المالية لجنة لتسريع عملية الإصلاح الضريبي وصياغة نظام ضريبي جديد يقوم على المبادئ الأساسية وهي، تحقيق العدالة الضريبية والثقة بين الدوائرالمالية والمكلف والشفافية والوضوح في عمليات فرض واحتساب الضريبة ورفع كفاءة التحصيل من خلال التبسيط وتسهيل الإجراءات الضريبية، وتقليل قائمة الضرائب والرسوم، وضمان تنافسية النظام الضريبي، وهذا يجب أن يكون مرتكزعلى قاعدة معطيات شاملة لكلّ المكلفين في سورية.
تعزيز النشاط الاقتصادي
والهدف من الإصلاح الضريبي بشكل أساسي بحسب عاصي أن يسهم النظام الجديد في تعزيز النشاط الاقتصادي ،والاستثماري وتحقيق العدالة الضريبية وتحفيز الالتزام الطوعي وتعزيز الشفافية والمسؤولية المجتمعية لدافعي الضرائب، حسب ما جاء في تصريح وزير المالية.
السؤال الجوهري المطروح الآن كما تقول عاصي ، لماذا نولي أهمية قصوى للإصلاح الضريبي ؟؟؟.
والجواب ببساطة ،لأن الحصيلة الضريبية ِتعد مورداً هاماً للإيرادات العامة للدولة التي تستخدم في تمويل نفقات الدولة، كما تساهم الضرائب في إعادة توزيع الدخل ورفع مستوى التشغيل وتحقيق استقرارالأسعار .
الضرائب النوعية
وحول النظام الضريبي الحالي في سورية تقول عاصي:” يقوم على مبدأ الضرائب النوعية المتعددة، أي هو نظام ضريبي يميز بين الدخول حسب مصادرها مثلاً ضريبة الدخل وضريبة الدخل المقطوع إضافة إلى ضريبة الرواتب والأجور.
نقاط الضعف
أهم نقاط الضعف في النظام الضريبي السوري -كما ترى عاصي- تتمثل بالعمل الورقي والبيروقراطية حيث أن الدوائر الضريبية تعتمد على العمل الورقي الذي يصعب فيه عمليات الضبط والمساءلة والمراقبة وتدقيق المعلومات، وهي الأساس في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي ، إضافة إلى أن نظام الضرائب النوعية بحدّ ذاته يحتاج إلى عمل إداري كثيف ومعقد ، فبالرغم من استخدام الحكومة سابقاً لسياسات ضريبية تعتمد على منح الإعفاءات أو الحسم الديناميكي لتشجيع إقامة مشاريع
معينة أو في نطاق جغرافي معين مثل محافظات المناطق الشرقية وتدمر، أو محفزات للاستثمار المحلي والأجنبي ، ولكن كلّ تلك السياسات لم تؤدّ إلى النتيجة المرجوة.
غياب العدالة الضريبية
يفتقد النظام الضريبي للعدالة الضريبية بحسب عاصي فبينما تبلغ نسبة الضريبة على الرواتب والأجور 22 بالمئة في الشرائح العليا بالرغم من تدني الأجور بشكل كبير، يتم احتساب ضريبة أرباح الشركات المساهمة بنسبة تبلغ 14بالمئة من الأرباح، كما أن الضريبة على الفعاليات الاقتصادية الصغيرة والمهن العلمية، تفرض حسب شرائح وبشكل تصاعدي ، أما ضرائب الشركات على الأرباح فهي ذات نسبة واحدة .
وتضيف عاصي: يقوم النظام الضريبي السوري على الضرائب النوعية المتعددة، بدل الضريبة الموحدة على الدخل مهما تعددت مصادره، وأحد أهم مساوئ الضريبة النوعية أن كلفة العمل بها عالية وتحتاج لعمل إداري كثيف.
كما أن مراقبي الدخل لم يخضعوا لتدريب وتأهيل منذ تعيينهم، وهذا له انعكاسات سلبية على العمل الضريبي بحسب عاصي.
وتقول: نقاط الضعف السابقة التي تعتري النظام الضريبي الحالي، تحتم على اللجنة المناط بها اقتراح النظام الضريبي الجديد تلافي هذه النقاط واقتراح آليات عمل من شأنها تحقيق المبادئ الأساسية للنظام الجديد والمتمثلة ببناء الثقة مع المكلفين وتعزيز الشفافية، إضافة إلى تبسيط الإجراءات فكلما كانت إجراءات البيانات الضريبية وحساب الضريبة وكلّ الإجراءات المتعلقة بها تتسم بالوضوح والبساطة تكون حصيلة الإيرادات الضريبية أعلى، ثم التحول للعمل الرقمي، حيث تقديم الإقرارات الضريبية وإجراء المدفوعات الضريبية الكترونياً وكذلك الاستعلام عن الحساب الضريبي، وكلّ ذلك يتطلب هوية ضريبية رقمية، وبنية تحتية وحواسب و شبكات قوية ، بالإضافة إلى بيئة عمل تنافسية تستطيع استقطاب المبرمجين ومهندسي الكومبيوتر.
حلول
الحلول المقترحة لتطوير النظام الضريبي كما تضعها عاصي، يجب أن يتكون النظام الضريبي الجديد من ثلاثة عناصر..
الأول: اعتماد الضريبة الموحدة على الدخل، حيث يتم جمع كل الضرائب من الملكيات والنشاطات الاقتصادية المختلفة، وتفرض ضرائب مناسبة حسب القانون على كل مصادر الدخل للمكلف، أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً خلال مدة معينة، وهي سنة ميلادية حسب إقرارات ضريبية يقدمها المواطنون أو أصحاب الدخول، وحسب استمارات مصممة خصيصاً لذلك، وحتى تتحقق العدالة الضريبية لابد أن تكون مقسمة لشرائح وأن تكون تصاعدية.
العنصر الثاني وفقاً لعاصي: نتيجة تراجع الإيرادات العامة للدولة، أصبح من الضروري البدء بدراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة، أو ضريبة المبيعات، ومن المعروف أن الحصيلة لهذه الضريبة وفيرة من الممكن أن تكون رافداً هاماً للإيرادات العامة للدولة من شأنه معالجة العجز المالي في الموازنة العامة وتقوية الإنفاق العام الذي يعتبر الركيزة الأساسية في التعافي الاقتصادي، فالنقطة السلبية التي ستواجه تلك الضريبة هي ضعف القوة الشرائية عند الفرد السوري.
أما العنصر الثالث : فيكون من خلال الاعتماد بشكل رئيسي على التقانات والمعلوماتية مما يخفف الهدر والفساد في العملية الضريبية ككل، لأنه يخفف الاحتكاك بين المكلفين وموظفي الدوائر المالية، لذلك لابد من بناء بنية تحتية معلوماتية من شبكات وقواعد معطيات والبرمجيات المناسبة، لأنه لا يمكن الحصول على نظام ضريبي حديث وقوي من دون الارتكاز على التقنيات المعلوماتية.
تلافي الأخطاء
وحتى يتم تلافي الأخطاء التي يمكن أن تحصل يمكن أن يتم تطبيق التحول إلى تطبيق النظام الجديد تدريجياً على المحافظات، ويمكن تطبيق ذلك تدريجياً ضمن المحافظة الواحدة للمكلفين بضريبة الدخل من التجار والشركات والمعامل والأنشطة الاقتصادية أولاً ثم المكلفين من ذوي الدخل المقطوع وهكذا.
ضريبة القيمة المضافة
أخيراً.. تركز عاصي على ثلاث نقاط تعتبرها بمنتهى الأهمية..
فالأولى: عدم التضحية بأي وعاء ضريبي قبل أن يكون بديله موجود وبحصيلة أعلى.
والثانية: عدم الانجرار إلى السياسات الشعبوية وتخفيض الضرائب، ذلك من شأنه أن يزيد في تراجع الإيرادات العامة المتدنية أصلاً، لأنه هناك دائماً تعارض بين وجهة نظر القطاع الخاص وخصوصاً المستثمرين للضريبة، وبيّن أهمية وقدرة الإيرادات العامة للدولة على إحداث تعافي ونهوض اقتصادي من خلال تدخلات معينة في الأنشطة الاقتصادية، ولا يعني تطبيق اقتصاد حر تراجعاً لدور الدولة بقدر ما يعني تغيير طبيعة هذا الدور.
أما بالنسبة للنقطة الثالثة: فهي تقوم على توسيع قاعدة التكليف الضريبي، ومن أهم وأبرز مهام لجنة إعادة صياغة نظام ضريبي جديد، وهذا يعيدنا مرة أخرى الى تطبيق ضريبة القيمة المضافة.