إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
من يَتذكر مكتب المقاطعة التابع لجامعة الدول العربية؟ لماذا أُجهض؟ وكم عدد محاولات اختراقه من الداخل؟
في قطر – الدوحة، عقد مُنتصف التسعينيات ما سُمي مؤتمر صناعة السلام، الحوار من أجل استقرار الشرق الأوسط، كانت إسرائيل الكيان المُحتل الغاصب الضيف والهدف.
تَعاقبت بعده محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني تأسيساً على مَحطات سابقة، كامب ديفيد وما تلاها، ودائماً تحت الرعاية الأميركية.
اليوم هل تراجع الدور الأميركي؟ لماذا؟ وهل تراجعه يخدم محور المقاومة؟
في البدء، دعونا نُدقق بفَرضية “التراجع” هل هي صحيحة؟من يُقر بها؟ هل تعترف بها أميركا؟ أم تُنكرها؟
وبالتالي إذا كانت تعترف بالتراجع في الدور العبثي والتخريبي الذي تقوم به، فعليها ألا تُعاند الواقع الذي جعل نفوذها ودورها يتراجعان.
وأما إذا كانت تُنكر وتحاول الالتفاف على الواقع، بخطط “أ” و”ب” و”ج” وبتوريط أدواتها أكثر فأكثر، فعليها أن تتحمل فاتورة الإنكار، وهي فاتورة تكبر وتتعاظم يوماً بعد آخر.
تراجع الدور الأميركي يخدم محور المقاومة؟ نعم بالتأكيد، التراجع والانكفاء، هو يخدم محور المقاومة. لكن دعونا نسأل: أصلاً ما الذي يجعل الدور الأميركي يتراجع، ما الذي يجعل أميركا تنكفئ؟ ما الذي يجعلها تفكر بالانسحاب؟ بل ما الذي يفرض عليها استحقاقات هي بحجم الخروج المُذل من المنطقة؟
لا شك هي المقاومة، الفعل المُقاوم، الذي تُؤديه دول محور المقاومة وحركات المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وسياسات الهيمنة والنهب الأميركية الغربية.
بكل تأكيد ستكون حال المنطقة أفضل بلا أميركا، بل سيكون حال العالم أفضل بلا أميركا.
من الطبيعي أن تَنعم المنطقة بالهدوء والتنمية والسلام عندما تخرج أميركا، ولكن هناك من يُشكك ويسأل باستمرار عن واقعية تراجع دور ونفوذ أميركا، وعن طرح هدف إخراجها من المنطقة، هل هو واقعي؟ أم هو مُجرد شعار؟
بالتأكيد تفتح هذه التساؤلات على نقاش أوسع، فيه من العوامل والمتحولات والمتغيرات في السياسة والوقائع ربما ما لا يتسع لها المجال.
نعتقد أن ما يُقدم إجابات مَبدئية يمكن التأسيس عليها بإحاطة جميع التساؤلات المطروحة هو السؤال: أين كانت أميركا، مصالحها، نفوذها، دورها قبل العام 2000 مثلاً؟ وأين هي اليوم؟ هل نستطيع أن نتخذ العام 1979 أنموذجاً، أم نتخذ العام 2000 محكاً؟ أم نتخذ العام 2001 نقطة مفصلية للحكم، أي بعد بدء حربها المزعومة على تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان، وتالياً 2003 على العراق، وهو ما أدى لغزو واحتلال البلدين.
نحن في محور المقاومة نعتقد أن على أميركا أن تُغادر المنطقة، بل نعتقد أن أحد أهم الأهداف الوطنية على امتداد دول محور المقاومة سياسياً يتلخص برفض سياسات أميركا، مقاومتها، محاولة إسقاطها وإفشالها.
وميدانياً يتلخص بالمواجهة الذكية معها ومع أدواتها وأذرعها، الرجعية المُتمثلة بأنظمة الخيانة والتبعية بالخليج، الصهيونية كقاعدة مُتقدمة للغرب والقوى الرأسمالية، التنظيمات الإرهابية التكفيرية الوهابية والأخوانية وجميع المُشتقات الأخرى.
منظومة العدوان بالقيادة الأميركية، لا تتوقف عند حدود استخدام التنظيمات الإرهابية كجيوش بديلة للتدخل والبلطجة، ذلك أنها لا تُوفر الأسلحة الأخرى، الكذب والفبركة، الإعلام الذي يُشوه الحقائق ويَقلب الوقائع، جنباً إلى جنب يُستخدم مع سلاح العقوبات الاقتصادية.
ولكن نَسأل، ويسأل معنا كثيرون باهتمام: العقوبات المَفروضة على دول محور المقاومة وحركات المقاومة، هل تؤثر في أهداف هذه الدول؟
العقوبات أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة ويلتحق بها الغرب التابع لها، لا شك أن غايتها ليس التأثير فقط في دول محور المقاومة، بل محاولة التضييق التي تُلامس حدود فرض حالة الاختناق على دول المحور وحركات المقاومة.
لو كان الأمر لأميركا والكيان الصهيوني والغرب المُتصهين، لقُطع الأوكسجين عن محور المقاومة، دوله وحركاته، مُجتمعه وجمهوره.
العقوبات التي تستهدف منع وصول قطع السلاح النوعي المتطور، لأيدي المقاومين، وللجيوش الوطنية في دول محور المقاومة، لا شك أنها تؤثر، بمحاولة فرض الحصار، وبمحاولة مُلاحقة الأجواء والبحار والطرق الدولية، بمعنى الرصد لكل حركة باتجاه دول محور المقاومة.
بل إن هذه العقوبات راحت تستهدف منع وصول كل ما من شأنه أن يُسهم بتطوير الحياة في مجتمعات المقاومة، التقانات، أدوات المعرفة، وكل ما يتصل بالعلوم والصناعات.
لذلك فإن العقوبات تؤثر، نعم تؤثر في الحيثيات، غير أنها لا تؤثر في الأهداف، لا تَقوى على تغييرها، أو جعلها تتبدل، أو تتحول، وواضح أن دول المقاومة لم تَعدم الوسيلة في الالتفاف على العقوبات الظالمة، وبتخطيها وتجاوزها.
إضافة إلى العقوبات، نحن نرى أن الولايات المتحدة تطرح شعار تجفيف الدولار، أي إن عقوباتها تشمل أيضاً حركة المال عبر البنوك الدولية.
وهي بذلك تَكذب عندما تُعبر عن أهدافها، وتُنافق عندما تَزعم أنها لا تُحاصر أو لا تُقيد الحركة التجارية لهذه الدول، فهي تمنع المواد الغذائية والأدوية، والمواد الأولية والأساسية للصناعات الدوائية والغذائية، والمعلوماتية، وتُعطل مساحات وقطاعات واسعة بالاقتصادات المحلية والإقليمية.
نعم لا شك أن العقوبات أحادية الجانب الأميركية الغربية المفروضة هي عقوبات جائرة ظالمة وتؤثر سلباً في مناحي الحياة والتطور في بلدان محور المقاومة، غير أن إرادة المقاومة والثبات على المبدأ والصلابة بقرار مواجهة سياسات العدوان، أثبتت قدرات هذه الدول على كسب التحدي. مثالنا: هنا سورية التي ما زالت تحقق الانتصارات في الحرب على الإرهاب رغم حجم الاستهداف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ تسع سنوات.
المثال الآخر ربما المُهم أيضاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي راحت تُنافس رغم العقوبات والحصار على المراكز الأُوَل بميادين العلم والمعرفة والصناعات والتكنولوجيا، من الفضاء إلى النانو تكنولوجي، إلى الصناعات الحربية والصناعات الثقيلة، وصولاً لعلوم الطاقة النووية واستخداماتها الطبية.. والقائمة تَطول.
ما تُسجله دول محور المقاومة من ثَبات على المبدأ، وما تُنجزه على مستوى التنمية، هل كان ليَتقدم على نحو أكبر وأسرع لو قبلت التطبيع؟
هناك من يُنظر بهذا الاتجاه، فيقول: إن التطبيع وإقامة الحوار قد يُعيد الحقوق أسرع، فلماذا يَرفض محور المقاومة دولاً وحركات عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
نَعتقد أن دول محور المقاومة لا ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، إنما ترفض أصل وجود هذا الكيان.. كيف تُطبع مع مُحتل غاصب عنصري يُهوّد كل شيءحتى نسمات الهواء في القدس والناصرة وبيت لحم، في الجولان وجنوب لبنان؟
رفضُ التطبيع، مقاومة التطبيع بذاتها كعملية، هي معركة، هي جبهة أخرى من جبهات المقاومة لاستعادة الحقوق والمُقدسات.
واقعياً كان للتطبيع محطاته التي يُعتقد أنها بدأت مع كامب ديفيد، إخراجُ مصر من الجبهة، ومن مُعادلة الصراع. إنها أُولى خطوات التطبيع، وهي خطوة كارثية بكل معنى الكلمة، إذ استهدفت إخراج مصر بثقلها العربي والقومي والشعبي من المعادلة، ولولا رفض الشعب المصري الشقيق التطبيع مع الصهاينة لكان الوضع ربما في غاية الخطورة اليوم.
رفضُ المصريين غيّر لحدود لا يُستهان بها المزاج وبَدّل التقديرات والحسابات الصهيوأميركية، بل رَسخ ما يُشبه الحالة التي درجَ عليها تالياً الأردنيون وسواهم رغم توقيع اتفاقات مع الكيان الصهيوني تحت عناوين السلام!!.
المحطة الأولى للتطبيع كانت “كامب ديفيد”، توالت بعدها المحطات الأخرى: وادي عربة وأوسلو، وصولاً إلى ما يجري اليوم على الساحة الخليجية من عمليات تطبيع علنية، على جميع المستويات الفكرية الثقافية الفنية التجارية، والعسكرية حتى، إذ ما زال مشروع تشكيل قوة عسكرية “ناتو عربي” قائمة ومطروحة!.
التطبيعُ جار على مستوى الأنظمة، ويُعتقد أن ما يجري بين أنظمة الخليج “السعودية وأخواتها” وبين الكيان الصهيوني، هو فقط تسجيلٌ لتطور من حالة لأخرى، بمعنى الانتقال من السرية للعلنية، ربما لأن المرحلة اقتضت هذا التحول، وربما هناك خطوات أخرى يتم الإعداد لها، ولا يُستبعد الإعلان عنها لاحقاً.
هنا لا بد من استحضار التاريخ، والتعبير عن الألم بخروج مصر كامب ديفيد من مُعادلة الصراع، والتعبير عن الغبطة بتعويض خسارة مصر فوراً، ذلك بانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التي وقفت إلى جانب فلسطين وقضيتها العادلة منذ اللحظات الأولى.
إعلان الثورة المُنتصرة إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران ورفع العلم الفلسطيني عليها، وإعلانها مَقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تحديدُ يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في كل عام يوماً عالمياً للقدس، نصرة لها، والإحياء الدوري لهذا اليوم على امتداد العالم.
تَبني حركات المقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين المحتلة، وتقديمُ الدعم لها.
هذه الخطوات وغيرها الكثير، شَكلَ أساساً صلباً ليس فقط لرفض ومقاومة التطبيع، وإنما للتأسيس لنشوء حالة مقاومة شاملة تكبر وتنمو على طريق طرد المحتل واستعادة الحقوق.
لا نريد الاستغراق .. كي لا نُتهم بأننا نَحلم، لكننا نَسأل الأعراب وعرب التطبيع، لص حلب أردوغان، وإدارات الحماقة بواشنطن، المحافظون الجدد رايس بيرل وتشيني، نتنياهو وأولمرت ومن سبقهم: أين الشرق الأوسط الكبير؟ أين المشروع الذي أُريد له أن يُولد من رحم عدوان تموز 2006؟ وأين أمسى مشروع تفتيت المنطقة، بانفصال كردستان، بالدواعش، بدولة الخلافة، وبمحاولة تمزيق سورية والعراق؟.