الثورة أون لاين – دينا الحمد:
يبدو أن احتلال النظام التركي لأراضي الآخرين وسرقة ثرواتهم، كما يجري في سورية وليبيا والعراق، لم تعد تكفي هذا النظام العثماني الاستعماري، بل باتت دائرة جشعه وعدوانيته تتسع إلى مناطق عديدة، بدءاً من التدخل في شؤون دول أواسط وشمال إفريقيا، وانتهاء بسيل لعاب شركاته على نفط البحر الأبيض المتوسط وغازه، ومحاولته التعدي على حقوق الدول المتوسطية وحقوقها في مياهها الإقليمية كما يجري مع اليونان هذه الأيام.
فالنظام التركي لم تتوقف خطواته عند محاولة التنقيب عن النفط والغاز بل تعدتها إلى نشر أسطوله الحربي في عرض المتوسط، وعلى مقربة من المياه الإقليمية اليونانية دون أي اعتبار لإمكانية استفزاز اليونان ونشوب حرب مدمرة هناك على خلفية التوترات والخلافات الكثيرة بين الجانبين.
ولم يحسب هذا النظام التوسعي أي حساب لردود أفعال الدول المتضررة من خطواته الاستفزازية، وأولها اليونان التي نشرت بدورها أسطولها هناك ووضعت قواتها المسلحة في حالة تأهب في رسالة واضحة لأردوغان تؤكد أن ممارساته العدوانية لن يتم السكوت عليها، وأن أي استفزاز في شرق البحر الأبيض المتوسط سترد عليه أثينا بقوة كبيرة، وكان هذا الموقف اللافت قد جاء على لسان رئيس الحكومة اليونانية نفسه، الذي أكد عزم بلاده الرد على أي استفزاز في شرق المتوسط، وإنه ورداً على نشر تركيا لأسطولها في المنطقة، قامت بلاده بنشر أسطولها هناك أيضاً، ووضعت قواتها المسلحة في حالة تأهب.
ورغم أن رئيس الحكومة اليونانية أعرب عن أمله بأن يسود التعقل في نهاية المطاف مع تركيا، ووصفها بالجارة، وقال إن بلاده تتطلع لحوار صادق معها، إلا أن سلوك النظام التركي في السنوات الأخيرة وعدوانه على الشعب والدولة السورية، وتدخله بالأزمة الليبية ودعمه عسكرياً لفريق الإخوان ضد الجيش الوطني الليبي وإرسال جنوده ومرتزقته لقتل الليبيين، تؤشر جميعها أن سلوكه في المتوسط لن يكون أقل عدوانية مما فعلته قواته الغازية في سورية والعراق وليبيا.
قد تكون التوترات بين تركيا واليونان، مع إرسال أنقرة سفينة “عروج ريس” للمسح الزلزالي، ترافقها سفن حربية إلى قبالة شواطئ جزيرة كاستيلوريزو اليونانية في شرق المتوسط، قد تكون الفتيل الذي يشعل حرباً أخرى في منطقة البحر المتوسط سببها أطماع النظام التركي بثروات الدول الأخرى هناك، لكن اللافت أن ما يسمى المجتمع الدولي مازال صامتاً عن هذه التحركات المريبة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين بشكل خطير.
ولعل المفارقة المثيرة للاستهجان أكثر أن رأس النظام التركي رجب أردوغان تهرب من مسؤولية نظامه عن التصعيد والتوتر في المتوسط، وزعم أن اليونان هي سبب التصعيد والتوتر هناك، وحث أثينا على حد زعمه على احترام حقوق تركيا، وكأن اليونان هي التي حشدت قواتها قرب المياه الإقليمية التركية أو أنها هي التي أرسلت سفينة للمسح الزلزالي أو للتنقيب عن النفط والغاز قرب السواحل التركية.
لا بل إن المفارقة الصارخة أنه دعا الاتحاد الأوروبي إلى التحقق من وفاء اليونان بمسؤولياتها تجاه الأقليات ومساءلتها عن ذلك، وكأن ملفه في هذا الإطار ينضح بالبياض واحترام حقوق الأقليات أو حتى احترام رأي معارضي السياسيين، ويبقى الأهم من هذا وذاك أن النظام التركي يجر منطقة شرق المتوسط إلى توتر خطير وربما حرب ومجلس الأمن مازال يقف موقف المتفرج وما يسمى المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً.