تدفع إدارة الإرهاب الأميركية بالمنطقة نحو المزيد من التأجيج والتوتر، لتبقى احتمالات المواجهة مفتوحة، هي تسخن الأجواء السياسية والعسكرية إلى درجة الغليان، وتستغل الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة لتكون بازاراً انتخابياً يريد من ورائه ترامب رتق عوراته السياسية والعنصرية، لإعادة النفخ بمشروعه الهدام، الذي يتصدع ويتهاوى اليوم على مشهد الأحداث الإقليمية والدولية.
في سورية، ربما يتضح أكثر تعاظم الدور التخريبي الأميركي، لما تشكله من قوة ضد المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة ككل، حيث تلجأ واشنطن لدفع كرة التصعيد نحو الذروة القصوى، لتثبيت نفوذها كقوة احتلال تلهث وراء التحكم بمسار أي عملية سياسية محتملة وفقاً لشروطها، بحيث تكون تلك الشروط أوراق ضغط وابتزاز لتمرير كل المخططات التي تخدم العدو الصهيوني، ومشروعه الاحتلالي التوسعي، والذي يسعى الإرهابي نتنياهو لتثبيت دعائمه قبل رحيل ترامب المحتمل عن السلطة، وخطوات التطبيع المجانية الجارية على قدم وساق تصب في هذا الإطار، ولكن لن يكون لها أي تأثير كبير على صعيد تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، لأن سورية ومعها المحور المقاوم، هي من تقف سداً منيعاً أمام تنفيذ هذا المخطط، والتصعيد الأميركي الحاصل، هدفه محاولة تغييب الدور السوري بشكل كامل عن مشهد الأحداث المتصلة بـ”صفقة القرن”.
الفشل الأميركي المتراكم في سورية، تترجمه إدارة ترامب برفع وتيرة ضغوطها العسكرية والسياسية، من خلال تعزيز نقاط احتلالها في منطقة الجزيرة، والتمادي بعربدتها، وآخرها الاعتداء المباشر على حاجز للجيش العربي السوري جنوب شرق القامشلي، الذي جاء في إطار الدعم المتصاعد لمشروع التقسيم القائم على التطهير العرقي، والذي تحاول ميليشيا “قسد” العميلة تنفيذه بقوة البطش الأميركي، وأيضا تهديدها باستنساخ “قيصر” ثالث، وإصرارها على إطالة أمد الأزمة عبر مواصلة دعمها للإرهاب، وعرقلة جهود الجيش العربي السوري من مواصلة حربه على ما تبقى من تنظيمات إرهابية، وكل ذلك يصب في إطار استثمار الوقت لتسريع الإجراءات العدوانية المتصلة بمحاولة تكريس واقع جديد على الأرض، يحد من قدرات سورية على المواجهة، والوقت الأميركي المعطى لنظام اللص أردوغان لاستكمال سياسة التتريك الممنهجة في المناطق التي تحتلها قواته وتنظيماته الإرهابية، هي جزء من المعادلة التي تحاول إدارة ترامب فرضها، بما يخدم المشروع الصهيوني في نهاية المطاف.
أميركا تمارس أعلى درجات البلطجة الدولية لإنقاذ مشروعها المتهاوي، حيث “هيبتها العظمى” بدأت تتلاشى أمام اتساع حالة الرفض الدولي لسياساتها الهوجاء، هزيمتها المذلة في مجلس الأمن الدولي أمام قوة الحق الإيراني أكبر مثال على عزلتها المتنامية، وامتناع حلفائها الغربيين “بريطانيا وفرنسا وألمانيا” عن التصويت يحمل دلالات وأبعاد مهمة لجهة إمكانية إحداث تغييرات مستقبلية في توازن القوى العالمي، في ظل السعي الأميركي الحثيث للهيمنة والتفرد بالقرار الدولي على حساب مصالح الدول الأخرى، سواء الحليفة أو المناهضة للسياسة الأميركية، والتي باتت تخشى على مستقبلها ضمن بوتقة القطبية الأحادية، كذلك فإن سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن بحق العديد من الدول تفتح الباب واسعاً أمام تلك الدول المستهدفة للالتفاف حول المحور الذي تمثله روسيا والصين لكسر هيمنة القطب الواحد، وإيجاد نظام عالمي جديد، لا يكون للغطرسة الأميركية مكان فيه، وهذا ما تدفع إليه إدارة ترامب بقوة، ومن حيث لا تعلم ولا تريد.
نبض الحدث- ناصر منذر