الملحق الثقافي:محمد خالد الخضر:
الشعر بكل أشكاله لا يوجد في مكوناته أي خلاف، وهناك قاسم مشترك مهم بل لا يمكن الاستغناء عنه، وهذا القاسم هو الكلمة التي تعتبر بناء النص الأساسي، فشعر الشطرين، وشعر التفعيلة وشعر النثر مكونات قوامها الكلمة، والمعيار الحقيقي لتقييم النص الشعري ليس كما يدعي بعض الضعفاء متحيزاً بسبب الأيدولوجيا التي من الطبيعي أن تكون ضد الشعر أصلاً، لأن الحالة الحقيقة لإثبات هوية الشعر هي وجود الحالة الوجدانية المؤثرة بمشاعر الإنسان، والتي تخضع بشكل طبيعي ومنطقي وأساسي لقانون التحول من الكم إلى الكيف عبر بنية الحالة الوجدانية التي تحاول الأيدولوجيا الخارجية أن تنسفها بحجة أن هناك أشكالاً لا تستوعب العصر، وكأن العصر أصبح بشكل أو بآخر خارج المنظومة الإنسانية. وفي الواقع هناك من يحاول رسم هذه الخارطة كمخرب أساس لتفكير المثقف العربي الذي يؤمن بالحماس والنخوة والمروءة.
ومن منا لا يذكر النص الشعري عند مظفر النواب، وقد يتفاجأ كثيرون كما تفاجأ كثيرون من قبل عندما أوضحت أن الحركة الموسيقية المتحولة عند النواب، والتي يجمع فيها بين النثر والموزون بتقنية عاطفية عالية، تتميز باختراق نظام التفعيلة الواحدة، فنجد تنوع التفعيلات في أغلب إن لم يكن في كل نصوص مظفر النواب، كقوله مثلاً:
وطني علمني أن أقرأ كل الأشياء
وطني علمني، علمني
أن حروف التاريخ مزورة
حين تكون بدون دماء.
وقوله أيضاً:
ها أنذا أتكلم من قفلي
من أقفل بالوجد وضاع على أرصفة الشام
سيفهمني.
نجد أن النواب في السطر الذي يحتوي كلمات قليلة لجأ إلى عدد من التفعيلات ومنها (فاعلن وفعلن ومفتعلن) ومثل هذا النص نصه نداء إلى الطيارين العرب، والقدس عروس عروبتكم، وغير ذلك. ولو لم يفعل النواب ذلك لما أسعفه حتى إلقاؤه المتألق على الوصول إلى الحالة الوجدانية التي جعلت المتلقي يصفق له بحرارة حتى ولو كان قادماً من بعيد أو ضيفاً يجب الاحتفاء به.
ويتجاوز أدونيس حتى الحركة الموسيقية بتفعيلات متنوعة إلى الأكثر انفلاتاً في التعاطي مع الموسيقى، وغالباً ما يصل إلى النثرية تماماً معتمداً على الرمز والثقافة الاستدلالية والاستعارات القائمة على الاطلاع والمعرفة والمثاقفة فيقول:
عربات النفي تجتاز الأسوار.. بين غناء النفي.. وزفير النار النار.. آه الأشعار.. رحلت مع عربات النفي.. الريح ثقيلة علينا.. ورماد أيامنا على الأرض.
ونجد أيضاً أنه اعتمد في تحسينه للعبارة على شدة الرمز ليعوض عن بناء الوزن الموسيقى التي تشعل الترقب الوجداني لقصيدة الشعر، وحين لا تؤدي المبتغى الذي يشار إليه نتهم المتلقي بالقصور حتى ولو كان المتلقي بأعلى درجات ثقافته.. ونجد ما ذهب إليه الاثنان وافر في نص الجواهري برغم التزامه الكامل بمنظومة الشطرين، فيقول في رثاء عمر فاخوري:
حببتك باسماً والهم يمشي
على قسمات وجهك باتزان
تغلبه وتغلبه إباء
كأنك والهموم على رهان
فالمكون النصي تضمن ما ينشده المختلفون على الرأي من عاطفة وصورة ووجدان برغم الالتزام الكلي بالموسيقى والتي أضافت جمالاً لعفوية النص.
وثمة من يقول: إن المعيار الجمال هو الصورة. نقرأ بيت المتنبي الذي تجاوز المعايير في جمالة الصورة عبر وصفه لحركة جيش سيف الدولة. فيقول في قصيدته:
يهز الجيش حولك جانبيه
كما نفضت جناحيها العقاب
فلا بد أن ندرك أن هناك ثقافة أو ثقافتين أو ثقافات، وندرك أن هناك قدرة أو قدرتين أو قدرات، وعلينا أن نقلع عن الفكر الانشقاقي ليكون حالنا أشد قوة في زمن يرقبنا العالم لنبيض له ذهباً.
التاريخ: الثلاثاء1-9-2020
رقم العدد :1011