لاشك أن منظر آلاف الهكتارات من الأشجار الحراجية المعمرة وقد تحولت سواداً يصبغ القلوب ووجعاً يدمي العيون في جريمة تتكرر بحق غاباتنا الخضراء التي تشكل رئتنا الصغيرة في وطن تشكل الصحارى فيه نسبة تتجاوز نصف مساحته، قضية تستوجب حلولاً جذرية.
على مدى أسابيع وفرق الإطفاء والدفاع المدني تكابد النيران في جبال ريف حماه الغربية واللاذقية، ورغم الجهود المضنية والتعب، قضت النيران على مساحات واسعة من الحراج الطبيعية التي تحتاج إعادة تشجيرها إلى عقود من الزمن، وعند السؤال عن سبب الحريق وعدم القدرة على إخماده يكون الجواب الجاهز.. وعورة المكان وقدم الآليات وقلة عدد كوادر الإطفاء.. وهي حجج نسمعها في كل صيف حارق منذ سنوات.
إنّ أول خطوة في إخماد الحرائق هي منع وقوعها، وإن لم نستطع فالخطوة التالية تكون بالتأهب لها بالأدوات والخطط ..وأولى تلك الخطط هي شق الطرق وخطوط النار في تلك الغابات والحراج رغم وعورتها، فبدونها لايمكن لأي وسيلة أن تعمل على إخماد حريق فيها، وبفتح تلك الخطوط تستطيع مديريات الحراج مراقبة الغابات ومنع التعديات عليها أيا يكن شكل هذا التعدي.
الكل يعلم أن هناك نقصاً في الكوادر والتجهيزات، وبالتأكيد فإن معظم غاباتنا تتوزع في جبالنا شديدة الوعورة، لكن أن يبقى نقص الكوادر والتجهيزات مستمراً مع استمرار استنزاف غاباتنا دون أن نتحرك، وأن تبقى وعورة المكان حجة لعدم قدرتنا على إخماد الحرائق إلا بعد أن تأتي على مساحات واسعة من أكثر غاباتنا تنوعاً، فتلك مصيبة تضاف إلى مصيبة فقدان الغابات.
جريمة حرق الغابات لاتقل بشاعة عن جرائم قتل البشر، لكن لم يحصل أن توصلنا إلى مجرم حقيقي ارتكب جريمة بحق الغابة الاّ ما ندر، وبالرغم من أن عدداً كبيراً من حرائق الغابات مفتعلة ويقف وراءها تجار الفحم والحطب لم نر أحداً منهم خلف القضبان.
وبعد أن تخمد النيران وينجلي دخان الحرائق تتكشف مساحات واسعة من السواد التي تتطلب أيضاً جهوداً وخططاً ومبادرات حقيقية لإعادة الحياة لتلك المساحات، لكن لا نرى سوى مبادرات خجولة وخططاً لا ترقى إلى مستوى الحدث لإعادة تشجير المناطق المحروقة مقارنة بخطط الدول الأخرى في التشجير الحراجي لمواجهة تآكل الغابات وتراجع المساحات الخضراء.
اليوم نحن بحاجة إلى خطة حقيقية لإعادة تقييم وضع الغابات وفتح خطوط زراعية فيها وخطوط للنار تقسمها لمساحات يمكن التعامل فيها مع الحرائق وتمنع انتقال النار من مكان إلى آخر مع تحديث أسطول سيارات الإطفاء بالتوازي مع خطة تشجير وطنية سريعة وعلى مستوى واسع تشارك فيها كل الفعاليات الأهلية والحكومية والشبابية لإعادة الحياة للغابات التي قُتلت بنيران الجشع من جهة وغياب الاهتمام من جهة ثانية.
معا على الطريق- عبد الرحيم أحمد