الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تحتدم النقاشات في أمريكا حول آلية التصويت في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، حيث يصرّ “الديمقراطيون” على أن التصويت بالبريد يمنح حق الاقتراع لأعداد كبيرة من المواطنين الذين لن يكون بمقدورهم التصويت بالطرق الأخرى، أمّا “الجمهوريون” فيجادلون بأنّ التصويت عبر البريد سيكون سبباً في عدم معرفة نتائج الانتخابات لبعض الوقت بعد انتهاء الانتخابات، كما أنّ الإدلاء بأصوات من دون حضور شخصي للناخبين سوف يزيد من احتمال حدوث تزوير في نتائج الانتخابات.
وعلى نحو ما ..فقد بيّن الاستخدام الأخير للتصويت عبر البريد والذي جرى على نطاق واسع، في ولاية نيويورك مثلاً إلى إمكانية حدوث تأخيرات كبيرة في آليات عدّ و فرز الأصوات، كما تمّ إبطال العديد من البطاقات لأسباب مختلفة، في الوقت الذي أثبت فيه التصويت بالبريد نجاحه في بعض الولايات مثل أوريغون ويوتا لسنوات عديدة، إذاً فالحجّة بالأساس هي حجّة سياسية.
يتوقع “الديمقراطيون” أن معظم الناخبين الذين يصوتون بالبريد سوف يصوتون لصالحهم بينما يرغب “الجمهوريون” في منع أو الحد من استخدام هذا النوع من التصويت ولنفس السبب على وجه التحديد، أي إنّه من المحتمل أن يستفيد جو بايدن من التصويت بهذا النحو، وهذا ما لا يريده ترامب، وهنا يمكن أن يتم طرح السؤال: “ما هو المبلغ الذي سيتم دفعه؟” و”هل سيؤثر هذا على نتائج الانتخابات؟”. قد يجادل الكثيرون بأن هناك ثمن يجب دفعه لتحسين نسبة إقبال الناخبين.
فالانتخابات في أمريكا تجري على مستوى الولاية أو المقاطعة لا على المستوى الوطني ككل، وقد حددت مراجعة تمت حديثاً لإجراءات التصويت في فرجينيا أنه يمكن للمرء التسجيل والتصويت دون أي حضور شخصي على الإطلاق، إذ يمكن إتمام عملية التسجيل عن طريق ملء نموذج عبر الإنترنت، ويجب على الشخص الذي يقوم بالتصويت أن يحدد المربع الذي يشير إلى الجنسية الأمريكية. ثم يضع الاسم والعنوان وكذلك رقم الضمان الاجتماعي وتاريخ الميلاد، وما إذا كان هذا الشخص لديه سجل جنائي أو غير مؤهل للتصويت، وبعد ذلك يجب أن يوقّع على المستند ويسجل التاريخ ويرسله بالبريد.
ولا يتطلب الأمر تقديم مستندات لدعم المعلومات التي تمّ وضعها وإرسالها، ما يعني أن جميع المعلومات المقدّمة قد تكون خاطئة ويمكن التلاعب بها. فمثلاً يمكن للناخب أن يلغي الاشتراك في تقديم رقم الضمان الاجتماعي من خلال الإشارة إلى أنه لم يتم إصدار رقم له مطلقاً، كما يمكن له أيضاً تقديم عنوان مؤقت من خلال الادعاء بأنه “بلا مأوى” مثلاً. حتى معلومات تاريخ الميلاد غير مجدية لأن النموذج لا يسأل عن مكان الولادة، وهي الطريقة التي يتم بها حفظ سجلات الميلاد من قبل حكومات الولايات والحكومات المحلية، بالمحصّلة فإن رقم الضمان الاجتماعي هو فقط الذي يصادق على المستند، ولكن حتى هذا يمكن أن يكون ملفقاً تماماً.
تعتمد آلية التصويت عبر البريد في ولاية فرجينيا مثلاً، على وجود توقيع الناخب وتوقيع شاهد، والذي يمكن أن يكون أي شخص، وتطبّق مثل هذه الآلية أيضاً في ست ولايات أخرى. وبالمقابل، تتطلب إحدى وثلاثون ولاية توقيع الناخب الخاص ، بينما تتطلب ثلاث ولايات فقط توثيق المستند، وهو ضمان جيد لأنه يتطلب من الناخب تقديم بعض الوثائق بالفعل. وهناك سبع ولايات تتطلب أن يكون هناك توقيع إضافي للناخب على مظروف الاقتراع، بينما هناك ولايتان يجب أن تكون فيهما بطاقة الاقتراع مصحوبة بنسخة من هوية الناخب، بمعنى آخر، تختلف الضمانات في النظام من ولاية إلى أخرى ولكن في معظم هذه الحالات، سيكون الاحتيال سهلاً نسبياً.
إن التزوير المحتمل في التصويت ناهيك عن التأخير في تسليم مكاتب البريد لأوراق الاقتراع بالبريد، يمكن أن يكون له عواقب سياسية سيئة، وقد بدأت بالظهور في المناقشات حول ما يمكن أن يحدث بالفعل ليلة الانتخابات فيما إذا استمرت الاضطرابات في معظم المدن الأمريكية والتي اندلعت منذ ثلاثة أشهر، لقد نجح الجمهوريون في إلحاق الضرر بموضوع القانون والنظام، لذلك يبدو من المحتمل أن تكون نتائج الانتخابات الرئاسية أكثر تشدداً مما تبدو عليه بعض استطلاعات الرأي الحالية.
قد يكون هذا العام مختلفاً بسبب غضب الشعب الأمريكي المتزايد بشأن إجراءات مواجهة فيروس كورونا ، بالإضافة إلى الاضطرابات العرقية التي تشهدها معظم الولايات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، وقد لا يكون هذا مهماً كثيراً، ولكن الحقيقة الواضحة هنا هي أنّ الرئيس دونالد ترامب فتح الباب لمناقشة احتمال حدوث تزوير في الانتخابات، كما أنه أشار إلى أن النتيجة قد لا تكون قانونية وسليمة عندما ركّز بشكل خاص على التصويت عبر البريد، ومن المتوقع أن يتخذ ترامب خطوات متعمدة لعرقلة قدرة مكتب البريد على تسليم بطاقات الاقتراع في الوقت المحدد.
وكان ترامب قد غرّد في ٣٠ تموزالماضي، على تويتر قائلاً “باستخدام التصويت عبر البريد، ستكون انتخابات عام 2020 الأكثر تزويراً واحتيالاً في التاريخ، الأمر الذي سيسبب إحراجاً كبيراً للولايات المتحدة، ومن الممكن تأجيل الانتخابات حتى يتمكن الناس من التصويت بشكل صحيح وآمن ” .
كما زعم ترامب مراراً وتكراراً أنّ “الديمقراطيين” يحاولون “سرقة الانتخابات”.
أخيراً وبالنظر إلى أنّ غالبية الأمريكيين محبطون وغاضبون أكثر من أي وقت مضى من النظام السياسي في بلادهم، بالإضافة إلى أنهم منقسمون أيديولوجياً إلى معسكرات مختلفة تتميز بالدعم القوي للمواقف التي يستحيل التوفيق بينها، فقد ينفجر العنف في أي لحظة، كما لا بد من الإشارة إلى التزايد الكبير لأعداد الأمريكيين المسلحين، فهم يواصلون شراء الأسلحة بمعدل قياسي، بالإضافة إلى وجود شرطة محبطة، ومن الواضح جداُ أنها غير قادرة على التعامل مع الاضطرابات المدنية التي تحدث في معظم المدن الأمريكية، كل ذلك يعني أنه يمكن لانتخابات 3 تشرين الثاني أن تطلق العنان لازدياد كبير في أعمال الشغب والعنف التي تجتاح أمريكا حالياً
المصدر
American Herald Tribune