الثورة اون لاين -هفاف ميهوب:
إذا كانت غالبية الفنون التي منها الرسم والتصوير والتمثيل والموسيقا والغناء مصدراً من مصادر التربية والترفيه والجمال وتنمية الخيال، فإن الأدب هو الحامل لكلّ هذه الفنون، لأنه الناطق اللغوي برسالتها الأخلاقية والتربوية والعقلية. اللغة التي لا ترتقي بالكبار فقط، وإنما أيضاً بالأطفال الذين هم الأهم والأولى، باهتمامنا وسعينا لبناءِ أجيالٍ فعالة وواعية.
حتماً، لهذه اللغة كتّابها وقرَّاؤها.. الكتّاب الذين اضطررنا للاستعانة بهم، لمعرفة على ماذا يعتمدون لجذب الطفل وجعله يقرأ لغتهم. اضطررنا للاستعانة بـ “رنا محمد”. الكاتبة التي عملت مع العديد من المؤسسات التي تعنى بالطفل، ونفذت الكثير من الأنشطة الموجهة له قبل أن تتفرغ لأدب الأطفال الذي تقول عن سبب اختيارها له: “تمرد الطفل في داخلي ورفضه أن يكبر، وتعطشه الدائم للتعبير عما يجول في خاطره من هواجس ومخاوف وأفكار”.. تقول أيضاً، عن سبلِ جذب الطفل إلى قراءة هذا الأدب:
“الصدق بالدرجة الأولى، هو مايجذب الطفل ودون تكلف أو إبهار لغوي.. القصة الخارجة من الطفل، والعائدة إليه. الناطقة باسمه والمتحدثة عما يجول بخاطره كما يرى ويفكر، مع معالجة الكاتب للأمور بحكمة ونضج، يتناسبا مع عمر الطفل ووعيه.. هناك فرق بين الكتابة عن الطفل والكتابة له، والكتابة للطفل هي من أصعب الأجناس الأدبية. خاصة طفل اليوم”.
أيضاً، وعن سيطرة التكنولوجيا على أدب الطفل وقراءته، بل وعلى اهتماماته وأحلامه وأمنياته. عن ذلك سألناها، فكان ردّها:
“في عصر التكنولوجيا، بات تحدي القراءة أصعب، والإقبال على الكتاب عموماً والقراءة خصوصاً، أقل لدى الكبار والصغار، والأسباب كثيرة، حيث بات كل شيءٍ بمتناول أيدينا، ويمكننا الحصول عليه بكبسة زر، وبتكلفة أقل. أيضاً، غلاء ثمن الكتاب عموماً، والموجه للطفل بشكلٍّ خاص، وهنا يأتي دور الناشر بمحاولة إعادة الطفل للكتاب ومتعة القراءة الورقية التي يفتقدها معظم أطفالنا حالياً، وباختيار النصوص العميقة والخفيفة معاً، والتي تحترم عقل الطفل العربي بشكلٍ عام، والسوري بشكل خاص، وتعالج واقعه ومشاكله، وتجد حلولاً من واقعه بشكلٍ تربوي جذاب، بعيداً عن التوجيه المباشر وحس الوصاية، إضافة إلى الرسوم الجذابة. الأهم، أن يتناسب سعر الكتاب مع دخل الأسرة السورية، لتستطيع اقتناءه ولتتاح فرص الاختيار الأفضل للطفل. أيضاً، إعطاء فرصة للمواهب الجديدة في الرسم والتأليف بعيداً عن الشللية والمحسوبيات، ولتكون الخيارات أوسع وأرحب أمام الطفل”.
حتماً، لم تكن التكنولوجيا وحدها من أثّرت على أدب الأطفال وقراءته، بل أيضاً الحرب وماتلاها من أزمات أثّرت على كتّاب هذا الأدب ونشاطهم، مثلما قراءات الأطفال ومتابعاتهم.. أثرت عليهم بطريقة تناولتها “محمد” ثم اقترحت للخلاص منها:
“بالتأكيد، الأزمة السورية دخلت حتى في تفاصيل جلدنا وليس حياتنا فقط. سنوات الحرب العشر، والآن الوباء والغلاء الفاحش والعقوبات والحصار.
الكاتب إنسان له ظروفه ومشاكله أيضاً، ويعيش ظروف البلاد الصعبة، وبات لديه أولويات أهم من رفاهية الكتابة التي لاتوفر دخلا مناسبا له ولأسرته، وقد بات همّ الأسرة السورية، تأمين لقمة العيش وحماية أطفالها شبح كورونا. للأسف، كل ذلك ألهى الناس عموماً والطفل خصوصاً، عن القراءة. بالكاد تجد اليوم شخصاً يقرأ كتاب، والسبب ليس الجهل، فالسوري مثقف وواعي ومنفتح على الآخر، وقارئ من الطراز الرفيع، ولكن السبب كثرة الأعباء التي باتت فوق طاقته، فمن يملك ثمن كتاب سيوفره لإطعام أطفاله.
الاقتراحات، توعية الأهل والطفل لأهمية القراءة والكتاب، وأننا بالمعرفة فقط نقضي على الفقر والجهل والوباء.. أيضاً، توفير الكتاب بسعر رمزي للأطفال الراغبين باقتنائه، وهذا ماتفعله الهيئة العامة السورية للكتاب مشكورة، وأيضاً دعم المكتبات التي تقدم خدمة القراءة والإعارة المجانية للأطفال، وخير مثال ماتفعله “جمعية مكتبة الأطفال العمومية” في اللاذقية .. الأهم، إبعاد الأطفال عن شاشات التلفاز والأخبار التي تعكر طفولتهم، وخلق البدائل التي هي، إيجاد أماكن لعب آمنة، وافتتاح المكتبات ودعمها واستقبال الأطفال فيها مجاناً، وتوعية الطفل ضد المخاطر التي تعترضه، وتعليمه المحافظة على جسده من الأمراض كأسلوب حياة لاترهيب فيه.
كل هذا، ولازالت مساعي كتاب هذا الأدب، دؤوبة لجذب الأطفال إلى عوالمهم.. لتأسيس وعي مغاير لما يفرضه الواقع على أطفال رأت بأنهم:
“الطفل مخلوق ذكي جداً، والوعي يحتاج لدعمٍ من الواقع. طفل اليوم، لا تنفع معه أي توعية لا يدعمها الواقع، ونحن لا نستطيع سلخ الطفل عن واقعه، لأنه بالنهاية سيخرج إليه فتكون صدمته كبيرة جداً إن أبعدناه عنه. لكن، نستطيع دعمه ليبقى صامداً ومتوازناً في هكذا واقع صعب.. نستطيع تأسيسه ليكون إنساناً بناءً ومؤثر ويسعى للتغيير نحو الأفضل، لامجرّد متلق فقط.. طفل اليوم، يصرخ وهو في العاشرة من عمره في وجه الأمم المتحدة، ويطالب برفع الحصار، بينما طفل الأمس كان همّه الملاهي والكرة والدراجة.. الظروف التي يعيشها أطفالنا أنضجتهم باكراً