قارئه ليس ساذجاً أو سهل الخداع.. نادر: نبدع لنجعل الحياة جديرة بالعيش وما كتب عن الحرب لا يشكل ظاهرة لافتة.. إبراهيم: ثقافة السلام والانتماء تُعرّش في أبجديتي
الثورة اون لاين – رنا بدري سلوم:
كم من الصعب أن ندخل عوالم الطفل ونترجم أبجديته لصهرها في واقعنا ومن ثم تدوينها سيمفونية شعرية أو قصة قصيرة نعزفها على مسامعه الجذلى، فمن الذي امتلك قيثارة الطهر والبراءة من أدباء الطفل، فأبدع عزفاً؟ وما الذي يميزهم عمن سواهم؟ وما معاناتهم في صياغة العاطفة الإنسانية وإثارة الوجدان لتقديمها إلى عقولٍ لا تزال تتهجأ ألف باء الحياة وتحبو على دربٍ؟
حزمة من الأسئلة، وجهتها إلى رائدين في أدب الطفل القاص والشاعر موفق نادر والشاعرة أميمة إبراهيم وكلاهما عضوا اتحاد الكتاب العرب في حوار مشترك للإضاءة على أدب الطفل خلال سنوات الحرب وما اللافت فيما قدمه الأدباء بعد شاعر الطفولة الراحل سليمان العيسى؟.
– هل يستطيع كاتب أدب الطفل أن يوازن في كتاباته الموجهة للطفل بين الخيال والواقع، لاسيما أن أطفالنا عاشوا الحرب لسنوات طوال؟
يجيب الشاعر موفق نادر: “هذا الشرط ليس حكراً على الكتّاب الذين ينتجون أدبا للأطفال، بل يشمل كل من يشتغل بالإبداع ! أنْ يعرف الأديب كيف يزاوج بين الخياليّ والحقيقيّ في لعبة الفنّ، والخيال عنصر مهمٌّ في الكتابة للأطفال، ومن لا يمتلك مخيّلة نضيرة سوف يظلُّ نتاجه الأدبيّ متّسماً بالجفاف والمباشرة والتّقريريّة وفي ذلك مجافاة للأدب الجذّاب ! وبديهي أن الكتّاب ليسوا سواء ًفي قدرتهم على هضم وقائع الحياة وتمثّلها، فالبارع منهم في امتلاكه أدواتِ الإبداع والأعمق موهبة يستطيع مقاربة الواقع أكثرَ ممّن يكتبون برخاوة وافتعال.
ولا شكّ أنّ الظّروف العجيبة التي عاشتها أوطاننا في سنوات المحنة تستلزم أن ينبري لها كتّاب قادرون على مخض الخبرات الواقعيّة الناتجة وتقديمها للطفل أدباً يعلّمه ويُمتعه ويزيد خبراته ومعارفه دون أنْ يرديه في مخاطر ذهنيّة ونفسيّة”.
– بينما تعتبر أميمة إبراهيم أن ” الكتابة للأطفال فناً سهلاً ممتنعاً لذلك فالاقتراب من عالم الكتابة يحتاج إلى دراية وخبرة تربوية ونفسية ولغوية، ويستطيع الكاتب أن يوازن بين الخيال والواقع يخلق للأطفال عالماً يتمناه ويحلم بتحقيقه، عالم بعيد قدر الإمكان عن البشاعات والحروب وويلاتها، لقد امتنعت بداية عن الكتابة للأطفال حرصاً على مشاعر فلذات الأكباد كيلا يتسلل إليهم حزن أو قهر أو وجع، أردت أن تحمل كتاباتي لهم فيضا من الجمال والبهاء والمثالية التي أتوق إليها “.
– ماذا قدمتما للأطفال في مرحلة الحرب وكيف استطعتما تصويرها لتتماشى مع أذهانهم؟
” السؤال بوجهة نظر نادر يفترض أن ثمة أدبا ًطفلياً ناجزاً ومتكاملاً في أوطاننا، والحقيقة ليست كذلك، فالذين تصدّوا للكتابة للأطفال لا يزالون يجرّبون أن يكون لهم، ولو قليلاً، إبداع لافت في هذا المجال! ولا شكّ أن بعضاً من الكتبة للأطفال قد لامسوا موضوعات الحرب، وصوّروا انعكاساتها على الطفولة، لكنّني لا أعتقد أنّ ما أنتج يشكّل ظاهرة لافتة..”.
– من ناحيتها أرادت أميمة إبراهيم ” أن تصور عالماً طالما تمنته وحلمت به، عالماً فيه مدن جميلة وحدائق ملأى بالشجر والزهر قرى تستمد سهولها الخضراء كي تعانق أفقها الجميل، لكن فيما بعد استجمعت شتات روحها المعذبة وكتبت لهم عن الحرب لكن بطريقة فيها روح إيجابية حمّلتها ما استطعت من حب، فقد عاش أطفالنا الحرب وخبروا أهلهم وسمعوا أصوات قذائفها وصافرات الإنذار وعويلها ومواكب تشييع الشهداء ولم يعد خافياً عليهم لذلك ومن هذا المنطلق كتبت وحمّلت كتاباتها حباً كبيراً للوطن بكل مفرداته”.
– ما هي الرسالة التي يريد كاتب أدب الطفل إيصالها؟ وخاصة أن جمهور الطفولة ليس بسهل وصعب إرضاؤه ولا سيما الأطفال من هم دون سن الثانية عشرة؟
“مهمّة الأديب والفنان لا تختلف كثيراً في كل زمان ومكان؛ إنه يبدع لكي يجعل الحياة جديرة بالعيش، وتليق بالكائن الذي خلقه الله على صورته ، فحوّله الطغاة والحروب وضنك العيش إلى مسخ ٍيثير الشفقة !
وأدب الطفل بالنسبة لموفق نادر: زيادة عما يُكتب للكبار، يجب أن يتضمّن جرعات ٍإضافية ًمن الانحياز للحُب والخير والجمال ونبذ الشرّ والكراهية وكلّ ما لا يليق بكرامة الإنسان، وأطفال المرحلة العمرية الدنيا يحتاجون إلى شفافية كبرى وعفوية بلا حدود فيما يُكتب لهم حتى لا نقعَ في أغلاط تربوية ونفسية تخرب الروح والذائقة وهما لا تزالان في أكثر صورهما نقاء وشغفا ًللتعلم” .
– تجيب أميمة إبراهيم: “حاولت أن أرمم مما تصدع في قلوبهم بثقافة الحب والانتماء والعمل الإنساني رسالتي كانت وستبقى رسالة الحب والخير والجمال في مواجهة الكره والحقد والبشاعة والتسامح في مواجهة التعصب”.
– كم من المهم أن يطلع الكاتب على /علم نفس الطفل / لمساعدته في نسج شخصيات قصصه أو قصائده الموجهة للطفل؟
بالنسبة للشاعر والقاص نادر أنه ” في بلادنا كثيرة هي الأشياء التي تسير بشكل مقلوب ففي لعالم المحترم لا يتجرأ أنْ يكتب للأطفال إلا الذين خبروا الحياة وتزودوا بثقافات ومعارف وحساسيات بلا حدود، وبخاصة الثقافة النفسية والتربوية، فهما ركنان أساسيان للقدرة على سبر حالات الطفولة النفسية وتجلياتها السلوكية.
إضافة إلى امتلاكهم الموهبة الخاصة المشفوعة برهافة الذائقة والعفوية والطبع الضحوك اللعوب المرح! أما عندنا فأغلب المتنطّحين للكتابة الطفلية قدموا إلى هذا المجال بعد فشلهم الإبداعي في عالم الكبار، أو أنهم من العاطلين من الإبداع أصلاً، ولو كان هناك سلطة أدبية ذات نفوذ لكان هؤلاء جديرون بأقسى العقوبات بسبب الإثم الكبير الذي يقترفونه !”.
بينما تجد إبراهيم ” أنه من الضروري أن يكون أديب الأطفال متطلعاً على علم نفس الطفل ولديه الخبرة التربوية والحياتية المناسبة ليس لمساعدته في نسج شخصيات قصصه أو قصائده فحسب بل لمعرفة ما يحب الطفل وما لا يحب وطرق استجابته للأحداث والأفكار”.
– هل تقاعس القارئ /الجد والجدة والأهل/ عن دوره في قراءة القصة التي تنتجونها للطفل؟ والذي يعتبر /القارئ/ وسيطاً مهماً في الجانب التربوي والتعليمي وخاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل أثر في ابتعاد الطفل عن الكتاب الورقي؟
يجدها نادر أنها ” رزمة كاملة من الأسئلة المهمة، تنكأ جراحاً وتظهر كم انزلقت حياتنا نحو هاوية ساهمنا في تعميقها؛ فليس الذنب ناجماً عن الجد والجدة المتقاعسين عن القراءة للطفل بل المشكلة عندنا أنّ القراءة بذاتها أصبحت تنتمي لأزمنة مضت، وأصبح أفراد الأسرة جميعا محض أعين تحملق في الشاشات الملونة معظم ساعات اليوم، وتُقتلع من أمامها اقتلاعا ًومعروف أن ّهذه الوسائل البراقة لا تقدم لنا الثقافة والتربية المنشودتين، بل إنها أعدت لتقتل أطفالنا بطلقات مغلّفة بسكر الشّغف! فاختفاء الكتاب الورقي، واختفاء المكتبات المنزلية، وهجر الآباء والأمهات تصفّح الكتب والمجلات على مرأى أطفالهم جعل هؤلاء الأطفال يسيرون على خطى الكبار العرجاء ثقافياً، والاكتفاء بقتل الوقت في الترفيه التافه !”.
– من جهتها ترى ابراهيم أنه “ربما تقاعس، وربما ضغوطات الحياة لها تأثير، لكننا لا نستطيع التعميم إطلاقاً فهذه حالة تتبع للأهل ومدى ثقافتهم ووعيهم واهتماماتهم، فإن كان الأهل يؤمنون بقيمة الكلمة وأهميتها سيكونون خير وسيط بين طفلهم والكتاب وإن كانوا مستلبين تجاه الإنترنت واليوتيوب فسوف ينقلون هذه الصفة لأبنائهم.
– – لم يكن للطفل خيارات إلا الكتاب الورقي، أما اليوم فهو منجذب تماما لليوتيوب والانترنت، ألم يصعّب هذا الانفتاح الفضائي /صياغة المحتوى النصي/ لجذبه والحفاظ عليه مدة طويلة ؟
يجيب نادر” نعم، تماما، وهذه مهمة كبيرة لا يحققها الأفراد من كتّاب يتقاضون قروشاً قليلة عن نتاجهم الأدبي، وتمضغ دور النشر ثمرة كدحهم، بل تحتاج إلى مؤسسات وهيئات ترصد موازنات لتحقيق هدف معتبر كهذا.
في بلادنا نحن نتقن الحديث عن ظاهرة غير موجودة ونتخيل لها حلولا ًقبل أن نبدعها ! فإذا عرفنا كم كتاباً يصدر للأطفال في الوطن العربي، وكم من المجلات في هذا النسق، وما هو مستوى التوزيع والتقانة وقيمة المحتوى وصلنا إلى نتيجة مزرية توفر علينا كثيراً من الكلام، فنلجأ إلى الصمت الموحي، مثلما نحن في ثلاثة أرباع أعمارنا. ولهذا فإن مواكبة أدب الطفولة بموضوعات تتناغم مع جديد العصر لا تزال محاولاتٍ فردية ًرخوة وينقصها كثير من الفن والعفوية لتكون مناسبة للطفل، ذلك المخلوق الذي نظن بسذاجة أنه سهل الخداع!”.
أين أدب الأطفال السوري في هذه المرحلة الراهنة؟ بعد الراحل سليمان العيسى؟-
يؤكد موفق نادر أن “الراحل سليمان العيسى مثّل مرحلة التأسيس في الكتابة للأطفال عربيّاً وليس سوريّاً وحسب، وإن سورية إحدى البلدان العربية التي روّجت للكتابة للأطفال جيّداً، فثمّة جمعية لأدب الأطفال في اتحاد الكتّاب العرب، ودائرة ثقافة الطفل في وزارة الثقافة كما تصدر عندنا مجلتان طفليتان شهريا ً( أسامة – شامة ) وبدأ اتّحاد الكتاب مؤخراً بإصدار مجلّة شهريّة ثالثة ( شام )، وتصدر الهيئة العامّة السّورية للكتاب سلاسل جيدة من كتيبات الأطفال، ولكنّ ذلك كلّه يظلّ دون ما نحلم به من الوصول بأطفالنا إلى حالة من الشّغف بالقراءة تنافس ما يحيط بهم من تحدّيات أخرى تشغلهم عنها”
– بينما أشارت الشاعرة أميمة إبراهيم إلى أسماء أدبية قدمت الكثير في عالم الطفل شعراً وقصة ومسرحاً ومنهم محمد بري العواني، بيان الصفدي، موفق نادر، لينا كيلاني، دلال حاتم، حنان درويش، موفق أبو طوق، خليل بيطار، مريم خير بيك ، قحطان بيرقدار والقائمة تطول.
– ما الصّعوبات التي يواجهها كتاب أدب الأطفال.. إنُ وُجدت؟
يتعجب نادر ” تقولين إن وجدت ؟! إن الكتابة للأطفال، بشهادة العارفين جميعاً، لا يفوقها صعوبة أي صنف إبداعيّ آخر ، لذلك فإن تحدّيات كثيرة مركبة يجد الكاتب للأطفال مجبراً أن يخوض غمارها؛ منها ما هو خاص بطبيعة الكتابة للطفل وضيق الموضوعات وتكرارها واختلاف البيئات …الخ، ومنها ما هو ناتج عن النظرة المتخلّفة السّائدة في مجتمعاتنا إلى الطفولة وكل ما يتعلّق بها أو ينتج عنها؛ فهي تلتبس بالسّذاجة وانحطاط القيمة وما يشبهها ، ولهذا السّبب لايزال كثيرون يرون في أدب الأطفال مرتبة دُنيا لا تضاهي أبداً ما ينتج من أدب الكبار ! خاتماً بالقول: هذه قاصمة الظَّهر ، أنَّ كاتب الأطفال لا ينال من ثمرة تعبه وسهره الليالي الطّويلة سوى مبالغ تثير السّخرية، بينما يتقاضى كتّاب الأطفال في البلدان البشرية أعلى المكافآت ، وينالون أعلى المراتب والتّشريفات”.
– فيما أنهت إبراهيم حديثها بتساؤلات جمّة معتبرة أدب الأطفال في سورية جيد من حيث النوع، لكن أين دور النشر الخاصة والمؤسسات الثقافة العامة التي تطبع الكتاب؟ خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد؟ وهل يستطيع الكاتب أن يطبع حالياً على نفقته؟ تجزم أنه لا.