الثورة أون لاين- د. مازن سليم خضور:
من المهم عند تقديم قراءة أكاديمية موسعة حول ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة و أشكالها في المجتمع خلال سنوات الحرب و سنوات الحصار الاقتصادي خاصة مؤخراً أن نبدأ بتعريف الجريمة.
الجريمة : ” هي الإتيان بفعل يتنافى مع المعايير الجمعيّة والقانونيّة والدستور أيضاً، وتتمثل بالتعديّ على حقوق الآخرين وانتهاكها أيضاً، ويعاقب عليها القانون نظراً لتحريم هذا الفعل قانوناً وشرعاً.
تُقسّم الجرائم قانوناً وشرعاً إلى أربعة أنواع رئيسيّة، وهي : جرائم اقتصاديّة، جرائم جنسيّة، جرائم سياسيّة، جرائم الانتقام؛ ويُشار إلى أنّ للجريمة أركاناً و نظريّات أساسيّة، ومنها نظرية المدرسة الجغرافيّة، والاقتصاديّة، والبيولوجيّة”
نظريات كثيرة تحدثت عن الجريمة وأسبابها، منهم من أعطى الأولوية للجانب الاقتصادي على أنه المحرض الأساسي لها، وبالنظر إلى انتشار الفقر والوضع الاقتصادي السيئ وقلة النشاط الاقتصادي بالإضافة إلى الفساد المستشري لن يكون من المثير للدهشة أن يصبح النشاط الإجرامي خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة لبعض الأشخاص و بشكل متكرر.
كذلك فإن ارتفاع مستويات الاستهلاك في مجتمع ( أي المجتمع الاستهلاكي ) يؤشر إلى ارتفاع مستوى الدخل الدائم للفرد في هذا المجتمع، و الذي يجب أن يرتبط بارتفاع الدخل القانوني للفرد لضمان التقليل من الحافز على السلوك غير الشرعي للأفراد، وهذا ما يطلق عليه أثر الحافز “Motivation effect”، و أي خلل في هذه المعادلة من شأنه أن يخلق البيئة الإجرامية في المجتمع، حيث يرى الاقتصاديون أن معدلات الجريمة لا ترتفع بذاتها، وإنما غالباً ما ترتفع مع ضعف حالة الاقتصاد.
بينما يرى آخرون أن الجانب الاجتماعي هو المحرض الأساسي. ومن أهم من تحدث عن هذا الموضوع (هيرشي ) صاحب نظرية الاحتواء التي تعتبر من أهم نظريات الضبط الاجتماعي حيث أن الأشخاص الذين يتمتعون بضبط ذاتي مرتفع هم أقل ميلاً للجريمة والعكس صحيح ويؤكد الجانب الاجتماعي على تفسير الجريمة إلى الظروف الاجتماعية المحيطة التي تؤثر بالفرد مثل الأسرة والمدرسة وغيرها، بالإضافة إلى موضوع الضبط الاجتماعي و الضبط بالمفهوم الاجتماعيّ هو مجموعُ القوى التي يمارسها المجتمع على الفرد، من أفرادٍ وتقاليدٍ وأجهزةٍ تعمل على حمايةِ المجتمع والحفاظ على قيمهِ، و في هذه النقطة يرى “ابن خلدون” أنَّ الضبطَ الاجتماعيّ ضرورةٌ من ضروراتِ التعاون كون الإنسان مجبول على الخيرِ والشرِّ ويتحققُ الضبط عند دوركهايم كلّما كانت قوةُ التّماسك الاجتماعيّ أكبر في الجماعةِ البشريّة .
ومن العوامل الاجتماعية الحديثة كذلك هي الممارسة السيئة للثروة التكنولوجية التي خلفت العديد من الجرائم التي نشهد تزايدها المستمر .
فيما اتجه البعض الآخر إلى الجانب النفسي ومن هذه الأسباب النفسية الإدمان، والاكتئاب الحاد، والانفصام، والشك المرضي، وعدم الحصول على فرص يشبع بها الإنسان حاجاته ومتطلباته. في حين تحدثت نظريّة الاختلاط التفاضلي وهي نظريةٌ جاء بها العالم الأميركي إدوين سذرلاند (E-Sutherland)، وتقول بأنّ السّلوك الإجرامي لا يُعدُّ سلوكاً يتناقل بالوراثة، وليس سلوكاً خُلُقيّاً أو نفسياً كذلك، بل هو سلوكٌ مُكتَسب يتعلّمه الفرد كأيّ سلوكٍ آخر من خلال البيئة المحيطة والمؤثرة فيه.
بعد هذا التمهيد البسيط لأسباب الجرائم نلاحظ أنه بالفترة الأخيرة ظهرت مجموعة من الجرائم والحوادث في المجتمع السوري بعضها نشر على وسائل الإعلام والبعض الآخر لم ينشر، و تقاطعت معظم هذه الجرائم في الجانب الاقتصادي و الاجتماعي، إلا أن المختلف فيها هو نوعيتها وحجم الوحشية أثناء ارتكابها رغم تشابه واقع التفكك الاجتماعي وغياب الرادع الأخلاقي وضعف الضبط الاجتماعي في معظم تلك الجرائم.. و من المهم الوقوف على عينة من الجرائم التي نشرت على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية السورية خلال شهر واحد فقط :
-بعد أن قتلها تناوب على اغتصابها مع شريكيه وقسم الأمن الجنائي بالسيدة زينب يلقي القبض عليهم.
– جريمة قتل مروعة في طرطوس.. أب يقتل بناته الثلاثة وينتحر ..والتحقيقات ما زالت جارية.
– شرطة منطقة يبرود تكشف ملابسات جريمة قتل بعد دفن الجثة بيومين واعتبار الوفاة طبيعية بينما كشفت التحقيقات تورط الحدث (د.خ) ابنة زوج المغدورة و إقدامها على وضع مادة السم لزوجة والدها.
– مرتكب جريمة الصالحية في قبضة فرع الأمن الجنائي بدمشق، ويدعى ( م . ق ) وبالتحقيق معه اعترف بقتل صديقه المدعو ( ن. ك ) بضربه بعصاة غليظة على رأسه ثم يقوم بخنقه ليتأكد أنه فارق الحياة وذلك على أثر خلاف شخصي بينهما.
– و في شكل آخر من الجرائم أعلم قسم شرطة الشهباء في حلب بوفاة امرأة ضمن مشفى الطب العربي وحصول خلاف ومشاجرة بين ذوي المتوفية والدكتور المعالج، حيث تبين إقدام ابن المتوفية المدعو (ع.ا) بالتهجم على الطبيب المعالج، وضربه بعد سماع نبأ وفاة والدته.
– قتلت زوجها بمبيد حشري.. تمكن فرع الأمن الجنائي في حلب من كشف ملابسات الجريمة وحصر الشبهة بزوجة المغدور المدعوة (ح . ح) و التي اعترفت بإقدامها على وضع مبيد حشري شديد الفعالية لزوجها ضمن كأس ماء معدني بسبب خلافات عائلية بينهما.
كانت هذه بعض الجرائم التي تم الكشف عنها في شهر واحد و هي عينة من جرائم أخرى حدثت بذات الشهر و لم تنشر ما يعني أن المنظومة الاجتماعية بخطر وهذا مؤشر أسود نحو وجهة تتطلب تحركاً كبيراً و سريعاً.
و يبدو أنه قد بات من المهم أن تبدأ وزارة الشؤون الاجتماعية مع الجهات المعنية بدراسة واسعة “اجتماعية – نفسية” لتقييم واقع المنظومة الاجتماعية و الأخلاقية في البلاد، وفق قراءة أكاديمية تلحظ ارتفاع معدل الجريمة ” شكلها، نوعها، أسبابها ” و خارطة المرحلة العمرية لمرتكبيها.
و الخروج بخطة عمل متكاملة تتضمن حتى مقترحات تعديل بعض القوانين الحالية و إنشاء مؤسسات و فرق عملية بالاشتراك مع وزارات أخرى بما يتناسب مع المتغير الخطير.
فسقوط المنظومة الأخلاقية “حرب أخرى” يجب التحرك سريعاً لمواجهتها.