الثورة – إيمان زرزور:
لم يعد الزواج في سوريا حكراً على المعرفة المباشرة أو الصدفة التقليدية التي تمرّ عبر الأهل والجيران ومجتمع العمل، فمع التغيرات التي فرضتها الحرب والشتات وتفكك النسيج الاجتماعي، برزالإنترنت كنافذة بديلة للبحث عن الشريك، ليولد ما بات يُعرف بـ”الزواج الرقمي” أو الزواج عبر الإنترنت، وهي ظاهرة أخذت تنتشر تدريجياً، خصوصاً بين فئات الشباب داخل البلاد وخارجها.
يعتمد هذا النوع من الزواج على تعارف يبدأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات مخصصة للزواج، ويتطور في بعض الحالات إلى ارتباط فعلي يتم إمّا عن بعد وفق الإجراءات الشرعية، أو بعد لقاء مباشر، وتشمل أدوات التواصل هذه كلاً من مواقع الزواج، والمجموعات على “فيسبوك” و”تلغرام”، أو الرسائل الخاصة على تطبيقات مثل “واتساب” و”إنستغرام”.
انتشارهذه الظاهرة بين السوريين لم يأتِ من فراغ؛ فالهجرة والشتات أوجدتا حواجز جغرافية واجتماعية بين السوريين، ما جعل الإنترنت وسيلة فعّالة للتواصل بين الداخل والخارج، كما أن ظروف الحرب ونزوح العائلات أدّت إلى تراجع الأطر الاجتماعية المعتادة التي كانت تسهّل التعارف، مثل دورالخطّابة أو الجيرة، من جهة أخرى، بدا جيل الشباب أكثر انفتاحاً على فكرة التعارف الرقمي، باعتبارها وسيلة للتعبيرعن الذات بعيداً عن القيود التقليدية.
وللدوافع الاقتصادية دورلا يمكن تجاهله، إذ تسعى بعض الفتيات للزواج من شباب يقيمون في أوروبا أو دول الخليج لتحسين الوضع المعيشي، في حين يبحث آخرون عن شريكة “مستقرة” داخل سوريا لتكوين أسرة، وبالتالي أصبح الزواج الرقمي وسيلة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية في آنٍ معاً.
ورغم ذلك، لا يخلو هذا النوع من الزواج من الإيجابيات والتحديات، من بين الإيجابيات، يتيح توسيع دائرة الاختيار بعيداً عن الحواجز الجغرافية، كما يسهّل التواصل الأولي دون حرج اجتماعي، ويتيح اختبار التوافق الفكري قبل العاطفي، ويُعد حلاً للعديد من الحالات التي لا تتيح لها الظروف خوض تجربة الزواج التقليدي.
في المقابل، تبرز عدة تحديات، أبرزها غياب المصداقية، إذ تنتشرالحسابات الوهمية أو الهويات المزيفة، ما يجعل النيات والسلوك غير قابلة للتحقق.
كما أن غياب الخلفية الاجتماعية والأخلاقية الدقيقة للطرف الآخر، إلى جانب رفض المجتمع في بعض البيئات المحافظة، يعقّد هذا النوع من الارتباط، وسُجّلت حالات احتيال واستغلال لفتيات عبروعود زائفة بالزواج أو السفر، ما أثار جدلاً واسعاً حول أمن هذه العلاقات.
تفاوتت مواقف المجتمع السوري من هذه الظاهرة؛ فجيل الشباب، خصوصاً في المدن، بات أكثر تقبّلاً لفكرة الزواج الرقمي، ويرى فيها وسيلة “واقعية” تواكب العصر، بينما لا يزال الجيل الأكبر أكثر تحفظاً، ويشكك في مصداقيتها.
من الناحية الشرعية، لا يُحرّم الدين التعارف عبر الإنترنت إذا توفرت النية الجادة والضوابط الأخلاقية، أما علماء النفس والاجتماع فيرون أن هذه الظاهرة نابعة من واقع اجتماعي هش، وتتطلب الوعي والتوجيه لضمان سلامة التجربة.
فالزواج الرقمي في سوريا اليوم انعكاس لتحولات اجتماعية وواقعية فرضتها الحرب والتكنولوجيا، وإن كان قد بدأ كحل اضطراري، فهو اليوم يترسّخ كخيار واقعي لدى شريحة متزايدة من السوريين، لكنّه يظل في حاجة إلى نقاش مجتمعي واسع، وتقبّل مدروس، وضوابط تحمي المتقدمين إليه من الخداع، وتُبقي على جوهرالعلاقة الإنسانية بعيداً عن العزلة الرقمية.