الثورة – إيمان زرزور:
تشهد سوريا في السنوات الأخيرة سلسلة حرائق مدمّرة اجتاحت مساحات واسعة من الغابات الطبيعية، خصوصاً في المناطق الجبلية والساحلية، وسط مخاوف بيئية واقتصادية متزايدة، وتحذيرات من فقدان واحدة من أبرز الثروات الطبيعية في البلاد.
الحرائق الحالية التي اندلعت مطلع يوليو/تموز 2025 في ريف اللاذقية الشمالي، والتهمت آلاف الهكتارات من الأشجار، أعادت إلى الواجهة ملف الغابات السورية، وطرحت تساؤلات جدية حول أسباب تكرار الكارثة وسبل الوقاية منها.
تتمتع الغابات في سوريا بقيمة وطنية وبيئية لا تُقدّر بثمن، فهي تلعب دوراً مركزياً في تلطيف المناخ وتنقية الهواء ومنع انجراف التربة وتنظيم الدورة المائية، كما تشكّل مصدراً للخشب والعسل والزراعات الجبلية، وتسهم في تنشيط السياحة البيئية، وإلى جانب ذلك، تؤدي الغابات دوراً اجتماعياً وثقافياً، إذ تعدّ رمزاً للحياة الريفية وملاذاً طبيعياً للراحة والاستجمام، ومكوناً أساسيًا من مكونات الهوية البيئية السورية.
وفق تقارير محلية، تسببت الحرائق الأخيرة في تدمير آلاف الهكتارات من الغطاء الأخضر، بما فيها مناطق تحوي أنواعاً نادرة من الأشجار كالسنديان والصنوبر والبلوط، ما أدى إلى تضرر كبير في التنوع الحيوي، وهجرة الحيوانات البرية من مواطنها الأصلية، فضلاً عن الأثر المباشر على سكان المناطق المتضررة الذين خسروا أرزاقهم وتعرّضوا لأخطار صحية، خاصة بسبب انبعاثات الدخان وانتشار الألغام غير المنفجرة في بعض المواقع المتأثرة.
تتعدد أسباب هذه الكوارث البيئية ما بين بشرية ومناخية، من الأسباب البشرية، يبرز إشعال النيران خلال المواسم الزراعية دون رقابة، أو خلال التنزه، إلى جانب الحرائق المفتعلة لأهداف شخصية مثل التوسع الزراعي أو صناعة الفحم.
وتزيد الأوضاع سوءاً مع غياب الوعي البيئي والرقابة الفاعلة، أما من الناحية المناخية، فإن ارتفاع درجات الحرارة وشحّ الأمطار والرياح الجافة تشكّل عوامل مساعدة على اتساع رقعة النيران وتسارع انتشارها.
في مواجهة هذا الخطر المتجدد، تبرز الحاجة إلى إطلاق استراتيجية وطنية شاملة للوقاية من الحرائق وحماية الغابات السورية، تشمل أربع ركائز أساسية: أولاً، تعزيز التوعية البيئية من خلال حملات وطنية تثقيفية وإدماج مفاهيم حماية الطبيعة في المناهج الدراسية.
ثانياً، تطوير القدرات اللوجستية عبر تجهيز فرق الإطفاء بسيارات ومعدات حديثة، وإنشاء أبراج مراقبة لرصد الدخان والحرائق في وقت مبكر، وصيانة خطوط النار كفواصل عازلة، وثالثًا، إصلاح التشريعات وتفعيل الردع القانوني من خلال فرض غرامات مشددة والسجن بحق المتسببين بالحرائق، وخاصة في حال ثبت وجود نية متعمدة.
رابعاً، تعزيز دور المجتمعات المحلية، عبر تشكيل فرق أهلية تطوعية في القرى الجبلية، وتدريبها على طرق الإنذار المبكر والإطفاء الأولي.
الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من الغابات السورية لم تكن فقط كارثة بيئية، بل شكّلت أيضاً فرصة لإعادة النظر في سياسات حماية البيئة والبنية المؤسساتية للاستجابة، وأثبتت التجربة الميدانية الأخيرة أهمية تضافر الجهود بين الحكومة، ووزارة إدارة الكوارث، والدفاع المدني، والمجتمع المحلي، في السيطرة على ألسنة اللهب وتقليل حجم الأضرار.
في الختام، لا يمكن التعامل مع الغابات على أنها فقط مشهد جمالي أو مصدر اقتصادي، بل هي أحد أعمدة التوازن البيئي والاجتماعي والثقافي في سوريا، والحفاظ عليها مسؤولية وطنية مشتركة، تتطلب تحركاً عاجلاً وحاسماً، يضمن للأجيال القادمة بيئة آمنة ومستدامة، ويمنع تكرار الحرائق التي باتت تهدد رئة الوطن ومتنفسه الطبيعي.