الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور
نقدم في هذه القراءة إضاءة موسعة حول ازدياد معدل “الانتحار” ضمن سلسلة “الحرب الأخرى” والتي نعمل من خلالها على طرح دراسة أكاديمية للمنظومة الاجتماعية والأخلاقية في سورية بظل سنوات الحرب وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية.
ربما القليل من المواطنين يعلم أن التاسع من أيلول يصادف اليوم العالمي للانتحار ولربما الأقل من هؤلاء يعلم أن العالم يشهد حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية حسبما أوضح مدير منظمة الصحة العالمية في وقت سابق.
“الانتحار سلوك ذاتي بتدمير الذات و إزهاق الروح, أحيانا يعود إلى ثقل وقع العوامل الاجتماعية و قسوتها, وأحيانا أخرى يعود إلى هشاشة التكوين النفسي و عجز الذات عن تحمل تلك المتغيرات الخارجية أو التفاعل معه”.
فالانتحار ظاهرة صاحبت البشرية مند القدم ، وهي من الموضوعات التي أثارت انتباه علماء الاجتماع والنفس ولعل أول من ألف كتابا مستقلا تناول هذه الظاهرة كموضوع للتحليل والدراسة هو عالم الاجتماع “اميل دوركهايم” وسبق دراسة دوركهايم مجموعة من الدراسات بعضها فسر الانتحار من خلال اللعنة الإلهية بينما بيّنت بعض الدراسات تأثير العوامل الاجتماعية على الانتحار، و تطرقت الى اعتبارات من نوع العرق، والمناخ، والاضطرابات العقلية لتفسير ميل فرد ما الى الإقدام على الانتحار، لكن “دوركايهم” ، بين أن ظاهرة الانتحار هي ظاهرة اجتماعية خالصة ، فقام بدراسة الظاهرة ووضح فيها الأسباب الرئيسة وراء ظاهرة الانتحار و من أبرز الأسباب التي شرحها “إميل دوركهايم” هو ضعف الوعي الجمعي، أما علم النفس أصبح يراها ظاهرة خاصة والتعريف النفسي لها “إقدام الذات على قتل الذات” وعرفه مؤسس علم النفس “سيغموند فرويد” بأنه “نوع من أنواع القتل الذي يجد موضوعه في الذات الخاصة.
من الأسباب التي بينتها الدراسات الأخرى للانتحار الوضع الاقتصادي حيث ان الأشخاص الذين يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، يفكرون بالانتحار كذلك تناول بعض الادوية وبالأخص أدوية الاكتئاب فيما بينت بعض الدراسات أن الجينات قد تلعب دوراً في ذلك أيضاً، حيث إن هذه الجينات قد تؤثر على الحالة النفسية للشخص وتجعله أكثر عرضة للانتحار. كذلك العزلة والإدمان على المخدرات والكحول و المرور بتجربة مؤلمة مثل وفاة أحد المقربين والعيش تحت وطأة حرب كل هذه تعد من أسباب الانتحار.
حقائق رئيسية نشرتها منظمة الصحة العالمية :
• يلقى ما يقارب 800000 شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار.
• مقابل كل حالة انتحار هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الانتحار كل عام وتمثل محاولة الانتحار السابقة أهم عامل خطر لعموم السكان.
• يعد الانتحار ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما.
• يعتبر ابتلاع المبيدات، والشنق والأسلحة النارية من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم.
وفي سورية وفي الأعوام السابقة لاسيما في ظل الحرب بدأت ترتفع معدلات الانتحار وبدأنا نسمع عنها ضمن وسائل الإعلام بشكل أكبر وعلى الرغم من ارتفاع معدل الانتحار إلا أن سورية هي من أقل الدول في عدد حالات الانتحار عالمياً حيث أكد رئيس الطبابة الشرعية في سورية زاهر حجو في تصريحات أدلى بها مؤخراً عن ارتفاع نسبة حالات الانتحار وبأنه تقريباً كل يومين يقدم مواطن سوري على الانتحار، لافتاً إلى أن حالات انتحار القاصرين ارتفعت، وأن أكثر مدينة تشهد حالات انتحار هي حلب ثم اللاذقية، ثم دمشق، وأوضح أن أنواع الانتحار تختلف بين الشنق يليه الطلق الناري ومن ثم السقوط الحر والتسمم.. و لتقديم قراءة موسعة حول التغير الذي طال معدلات الانتحار في سورية خلال فترة الحرب خاصة في الاشهر الأخيرة، لابد من التوقف عند نماذج من الحوادث التي نشرت على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية السورية:
• انتحار فتاة تولد 1995 من حلب، قامت برمي نفسها من الطابق الثالث لبناء في محلة الشاطئ وتوفيت على الفور.
• انتحار فتاة في منطقة الميادين بدير الزور يكشف أحد المنتسبين لتنظيم “داعش” الإرهابي.
وهذه عينة للأخبار التي انتشرت على وسائل الإعلام:
• انتحار الشاب (17عاما) شنقاً في منزله في قرية تلدرة شرقي حماة.
• انتحار الشاب (45عاما) شنقاً في منزله بحي العزة في مدينة جبلة.
• انتحار شاب (25عاما) من سكان بلدة الهول بإطلاق رصاصة من مسدس على رأسه
• انتحار فتاة أربعينية في اللاذقية بتناولها مبيد حشري سام
• انتحار مراهق في ضاحية الأسد بريف دمشق
• انتحار طالبة هندسة زراعية في حمص عبر رميها لنفسها من شرفة الطابق السابع .
• انتحار شاب في طرطوس شنقا بعد صدور نتائج الثانوية.
كل ذلك من شأنه تقديم أرضية علمية لتقديم مروحة من الحلول فالوقوف على الأسباب الكامنة وراء ظاهرة معينة يقود دائما إلى تشخيص المعضلة بشكل صحيح وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة في العلاج والحد من هذه الظاهرة، وعن الحلول التي من الممكن أن تحدّ أو تقلل من نسب هذه الظاهرة عموماً و في سورية خصوصاً.. لابد من التركيز على تأسيس مراكز معالجة اجتماعية و نفسية من قبل الجهات المعنية في هذا المجال، دون أن تنحصر بالأشخاص الذين مروا بظروف نفسية أو اجتماعية أو محاولات انتحار بل توسيعها لتطال الأسرة إلى جانب توسيع دائرة التوعية المجتمعية و تطويرها بما يتناسب مع الواقع المتجدد، لأن المحيط الاجتماعي بالشخص الذي يرغب بالانتحار له دور مهم كالأسرة و الرفاق لاسيما أن هذا الشخص “الذي يرغب بالانتحار” يوجه رسالة إنذار نحو من يحيطون به يمكن الانتباه لها في حال امتلك المحيطون به الإطلاع من خلال التوعية المسبقة.
و من التدابير التي يمكن اتخاذها أيضاً الحد من فرص الوصول إلى وسائل الانتحار خاصة الأسلحة المنتشرة الآن لاسيما في ظل “فوضى السلاح”
كذلك التوعية الإعلامية في هذا المجال، لأن التشخيص و الرعاية المبكرة للمصابين بالاضطرابات يؤدي إلى نتائج مرضية في العلاج و كذلك تدريب الكوادر الطبية المعنية و المختصة و غيرها في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري.