الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
يشير الباحث “إيان لوو” المتخصص في دراسة “العنصرية والتعصب العرقي” إلى أن ما نعيشه من صراعات واختلافات، سببه الأكبر التمييز الأمريكي والأوروبي، وبأن هذه الصراعات التي تقوم على العنف والكراهية، دؤوبة في تأجيجها لنيران الأحقاد الأثنية والعرقية والقومية، بل والثقافية.
يشير أيضاً، إلى أن الممارسات العنصرية تتدرج في خطورتها التي تنتقل من التمييز وتجاهل المساواة في الجوهر الإنساني أو الوجودي، إلى الدموية القائمة على “الإبادة والتطهير العرقي”.
إنه ما اعتبره مسيرة من السلوكيات العدوانية التي تكمن خطورتها، في كونها لم تأت بشكل اعتباطي عشوائي، وإنما اعتماداً على العلم الذي قال عن دوره في ترسيخها:
“إن ماقام به عالم الأنثروبولوجيا “جيورجي كوفيه” من ربط بين السلالة والترتيب الهرمي للدونية والسمو، جعل الجنس الأبيض في قمة هذا الترتيب، وعلى خطاه مضى فريق من العلماء في تحديد أصناف الإنسان. الأوروبي “أبيض، متورد، ذي عضلات” والآسيوي “أصفر، كئيب، غير مرن” والافريقي “أسود، رابط الجأش، وحشي”.
أورد هذا الدليل، ليبين بأن ما عاشه العالم ولايزال من تفرقة عنصرية، سببه سعي فريق من العلماء للتحريض على التخلص من الأجناس الأدنى، وتشجيع الإنجاب لدى أصحاب الصفات الأرقى، وعن طريق التهجير القسري، والتعقيم الإجباري، والإبادة الجماعية”.
نعم، إنها مسيرة طويلة، بل تاريخ من التعصب والتطهير العرقي الذي جعل مانشهده اليوم من العنف والإبادات التي تحصل في مختلف أنحاء العالم، يعود إلى قناعة من تبنّوا رأي العلم، بضرورة الفرز العنصري.
يتناول “لوو” كل ذلك، منوهاً إلى أن الخطاب الذي يحرض على العنصرية، قديم ويبدأ “من العصور الامبريالية والتوسعية، التي تزايدت فيها مقارنة الغرباء بالحيوانات، وكانت أكثر الشعوب المكروهة لدى الأوروبيين “الفرس والمسلمين “المشارقة” ثم البربر “المغاربة” ثم الأسيويين”..
لاشك أنه ما تؤكده صور الجرائم التي ارتكبت بحقِّ الشعوب غير المرغوب بها.. الشعوب الأصلية التي كان أولها، الشعب الهندي الذي سيبقى التاريخ شاهداً على ما تعرض له على يدِّ مستعمرٍ مارس بحقه أبشع أنواع الإبادات وأفظعها.
يشهد أيضاً الافريقي الأسود، وعلى العنصرية المقيتة التي مارسها بحقه الأميركي الأبيض.. على عدم العدالة، وامتهان الكرامة، وعلى موجات الكراهية والإبادات الجماعية، مثلما على تحقير وتهجير واستغلال والاتجار بالإنسان والإنسانية.
كلّ هذا، ولا يتوقف العنصريون المجرمون، عن ارتكاب أشنع أنواع الجرائم بحق الشعوب التي يشعرون بضعفها، فيتكالبون لنهشها وسرقة ثرواتها وأرضها..
أيضاً، لا تتوقف التعبئة والمقاومة البطولية. ذلك أن المعاناة تحفز الوعي الفردي لدى الشعوب، مثلما تحشد القضايا التي تستدعي حركات يسعى أصحابها للانعتاق من الاستبداد والهيمنة والعبودية.
“توسيه لوفيرتيه” الذي تعرض لإهانات عديدة جعلت فرنسا تعتبره “ثعباناً خبأته في صدرها” قاد أكبر ثورة للعبيد في التاريخ، استُبعدت على أثرها فرنسا كقوة استعبادية كبرى”.
هناك أيضاً، قيام مجموعة من الباحثين والمفكرين الأفارقة ممن كانوا عبيداً، بتقديم نصوص وشن حملات تدعو لرفض وإلغاء العبودية، إضافة إلى ما كتب من القصص والروايات والسير التي كان أشهرها، قصة حياة العبد الأمريكي “فريدريك دوجلاس” التي نشرت بمعرفة جمعية بوسطن المناهضة للعنصرية، وكذلك قصة عالم الاجتماع في مجال السلالة “إدوارد دي بويه” الذي قدم أعمالاً كثيرة تحكي، عن “المشتت الأمريكي الأسود”
ما نريد قوله: “عمليات إلغاء العبودية لم تعدِّل كثيراً من مسار العنصرية” وهو ما قاله “ليوو” الذي تلمّس ما تلمسه سواه ممن كافحوا وقاوموا، بل وقادوا الحركات التي ناهضت العنصرية وجرائمها.
ما نريد قوله: ماقيل في هذا الكتاب الذي وإن لم تكن معلوماته جديدة على الشعوب التي تعيش في قلب المعاناة ولاسيما العربية، إلا أن التذكير واجب قدمه “ليوو” في كتابه الذي أراد مما زوده به من إضافات معرفية:
“الكتاب يقدم إضافات معرفية، خاصة في تناوله لتلك النماذج البعيدة عن العالم العربي، فضلاً عن الأسس النظرية والمنهجية التي بنيت على أساسها أفكار التمييز والعنصرية وقتل البشر.. الأفكار التي تجعل من الواجب فهم المسيرة الطويلة من استعباد الإنسان للإنسان، وطريق مجابهة هذه الطرق”.