غزة كما لم تر من قبل.. مؤرخ فرنسي يوثق كارثة إنسانية تفوق الوصف

الثورة – نور جوخدار:

بسترة رياضية وقلنسوة كاكية اللون تحمل شعار “”Fight like a Ukrainian (قاتل بشراسة مثل أوكراني)، وبين استوديوهات الراديو والتلفزيون ومكبات النفايات والخيام، تنقل المؤرخ الفرنسي وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط في معهد العلوم السياسية بباريس (Sciences Po)، جان بيير فيليو، داخل قطاع غزة، حيث سجل شهادة نادرة عن معاناة سكان القطاع تحت وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل ومنع الصحافة الأجنبية من الوصول إلى القطاع.
في كتابه الجديد “مؤرخ في غزة”، يروي فيليو تفاصيل رحلته داخل القطاع التي امتدت لـ32 يوماً، بين 19 كانون الأول 2024 و21 كانون الثاني 2025، مع فريق منظمة أطباء بلا حدود (MSF)، موثقاً ما وصفها بـ “الكارثة الإنسانية”.
وفي مقتطفات نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية يبدأ المؤلِف روايته بالتأكيد على أنه لم يشاهد أو لم يتصور أن ما رآه أو ما عاشه في غزة سيسبب له تلك الصدمة المروعة للكارثة الإنسانية، وسط الدمار الهائل والمعاناة.
يؤكد المؤرخ فيليو أن عدد قتلى أطفال غزة تجاوز 54 ألف قتيل، وفق أرقام موثوقة لكنها تمثل الحد الأدنى من الأرقام الحقيقية، مضيفاً أنه لو قيس هذا العدد على نطاق بلد مثل فرنسا، فهو يعادل مليوناً ونصف المليون قتيل، بينهم نصف مليون طفل.. هؤلاء هم الضحايا الأكبر.. جميع الأطفال، دون استثناء، بحاجة لدعم نفسي.. وهو أمر لا يمكن تصوره في الظروف الحالية”، وفقاً لوكالة فرانس برس 24.
وعن تفاصيل الحياة اليومية لأهالي غزة، يصف فيليو قائلاً: “لدي احترام عميق لجميع هؤلاء النساء والرجال الصامدين أمام كل هذا الرعب الذي لا يمكن تخيله.. أعرف المجتمع الغزي جيداً. إنه مجتمع تقليدي، محافظ جداً من نواح عديدة، وكذلك شديد الحياء، الفلسطينيون لا يبوحون كثيراً بشكواهم.. عندما يقولون لك إنهم قضوا ليلة صعبة، فهذا يعني أنها كانت مروعة.. سواء أكانوا يعنون بذلك القصف الجوي الذي لم يترك لهم دقيقة واحدة للراحة، أم كان فيضان المياه الذي حول الخيام التي تؤويهم إلى مستنقع، بسبب الأمطار الغزيرة”.
كما يتحدث الكاتب عن الحياة بالقطاع الفلسطيني المحاصر بصورة قاتمة، حيث مأساة إنسانية لم يسبق لها مثيل، مكبات نفايات مكشوفة تعج بالأطفال حفاة الأقدام، وخيام بلاستيكية بالكاد تصمد في وجه العوامل الجوية، وصرف صحي مؤقت، وتتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب النقص الحاد في المياه.
فيليو تحدث أيضاً عن وضع النساء في القطاع، وأشار إلى تفشي الأمراض الجلدية والهضمية، والنقص الحاد في مستلزمات النظافة، ما دفع بعض العائلات لتزويج بناتهن مبكراً كوسيلة لحمايتهن النفسية.
وعن المشهد في خان يونس وصفه المؤرخ الفرنسي بالمأساوي حيث دُمرت المدينة بشكل واسع.. كانت واحة مزدهرة منذ القرن الرابع عشر الميلادي.. كانت محطة قوافل ومفترقاً تجارياً.. أما اليوم، فهي كومة من الأنقاض، لم نعد نعرف أين نحن، ولا يمكننا تحديد الاتجاهات. عندما نرى تلة، نكتشف أنها في الواقع كومة من الأنقاض جرفها الجيش الإسرائيلي.
ويتابع فيليو: ثم هناك بحر من الخيام.. كنت أعيش وأعمل جنوب المنطقة المسماة ‘المنطقة الإنسانية’، لكنها لم تكن بمنأى عن الضربات الإسرائيلية المدمرة.. عندما تصيب هذه الضربات خيمة، تشتعل النيران على الفور، وتقع مشاهد مروعة”.
توقف فيليو عند الهدنة التي بدأت في 19 كانون الثاني الماضي بين حماس وإسرائيل، واستمرت بضعة أسابيع، حيث شهد خلال اليومين الأولين، أيام الأمل الأولى، عودة آلاف الفلسطينيين إلى أنقاض منازلهم المهدمة لإعادة نصب خيامهم عليها، “في تلك اللحظة، كان الناس يقولون: “سنتمكن أخيراً من البكاء”– “وهو ما كانوا يمنعون أنفسهم عنه، “سنتمكن أخيراً من العودة إلى كومة الأنقاض التي نعلم أن أحباءنا مدفونون تحتها وليس باليد حيلة لإخراجهم، وسنتمكن أخيراً من بدء الحداد عليهم”، هذا المجهود الجبار لإقامة الحداد، بالطبع، لا يمكن قياسه نظراً لحجم الخسارة، لن أغرقكم بالأرقام، فهي معروفة، وهي ببساطة مزعجة للغاية”.
وفي معرض حديثه عن استهداف الصحافيين، نقل فيليو عن “مراسلون بلا حدود و لجنة حماية الصحافيين”: أن فلسطين ليست فقط أخطر بلد في العالم للعاملين في مجال الإعلام، بل إن ما بين ثلثي وثلاثة أرباع الصحافيين الذين قُتلوا في العالم أجمع في عامي 2023 و2024، قُتلوا في قطاع غزة.. “ليس فقط ممنوع عليك دخول غزة، بل حتى الصحافيون الفلسطينيون الشجعان الذين ينقلون الحقيقة، يتم استهدافهم عمداً.. سترات الصحافة صارت أهدافاً بدل أن تكون دروع حماية.”

آخر الأخبار
بانة العابد تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال 2025   لبنانيون يشاركون في حملة " فجر القصير"  بحمص  ابتكارات طلابية تحاكي سوق العمل في معرض تقاني دمشق  الخارجية تدين زيارة نتنياهو للجنوب السوري وتعتبرها انتهاكاً للسيادة  مندوب سوريا من مجلس الأمن: إسرائيل تؤجج الأوضاع وتضرب السلم الأهلي  الرئيس الشرع يضع تحديات القطاع المصرفي على الطاولة نوح يلماز يتولى منصب سفير تركيا في دمشق لأول مرة منذ 13 عاماً  الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز