الثورة – رانيا حكمت صقر:
“إننا لسنا ما نقول، بل نحن ما نفعل” مقولة الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر لم تذكر بكتاب بعينه، المقولة التي عكست مبدأ أساسياً في الفلسفة السارترية حول الوجوديّة البشريّة وتأثير الأفعال على هويّتنا وجوهرنا.
تشير فلسفة سارتر إلى أن الأهم هو ما نقوم به بالفعل، وليس ما نقوله فقط، فإن تصرفاتنا وأفعالنا هي التي تعكس حقيقة كيف نشكّل هويّتنا وشخصيّتنا.
ويبدو أنّ هذه المقولة ولدت في زمن الأزمات، إذ ظهرت في خضم تحولين مصيريين:
أولاً: احتلال فرنسا النازي ١٩٤٠-١٩٤٤ حيث انخرط سارتر في المقاومة السريّة، واكتشف أنّ خطابات الوطنيّة لا تكفي من دون أفعال ملموسة.
والأمر الآخر حرب التحرير الجزائريّة ١٩٥٤-١٩٦٢ التي جعلته يصرخ: “جميعنا قتلة!”، معلناً أن فرنسا الاستعمارية تناقض قيم الحريّة التي تدّعيها.
في هذا المناخ، كانت المقولة رفضاً للازدواجية بين الشّعارات البرّاقة والممارسات القمعية، وتذكيراً بأن الهوية تُبنى في ميدان الفعل لا في ساحة الخطاب.
هنا نجد أن سارتر يؤمن بأن الإنسان يولد حراً و علياً ، ويقوم بتشكيل هويته وذاته عن طريق خياراته وأفعاله، ولا يعتقد أن طبيعة الإنسان محدّدة مسبقاً، بل يؤكد أننا نكون من خلال ما نفعله، فالخيارهو جوهر الوجود البشري، وعن طريق خياراتنا نحدّد معنى وجودنا، تُعد المقولة دعوة إلى الصدق مع الذات، وضرورة أن تكون الأفعال متّسقة مع الأقوال.
كما يركّز سارتر على أهمية الأفعال في بناء الذّات وتشكيل الهويّة، مع اعتبار الإنسان وُجِد ككائن حُر يقوم باختياراته وأفعاله التي تؤثّر على تطوره وتشكيل شخصيّته.
وتؤكد الفلسفة السارترية على أهمية أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه ويعكس قيمه ومبادئه من خلال أفعاله وتصرّفاته في الحياة اليوميّة، بالتالي يعتبر سارتر أن الوجود الفعلي للإنسان وتصرفاته يسبق تعريف طبيعته أو جوهره، مما يعزز فكرة أن أفعالنا تمثل هويّتنا وتحدد من نحن بالفعل.
هذه المفهومية توضح أن الاستماع إلى ما يقوم به الإنسان وتحليل تصرفاته يساعد في فهم حقيقة شخصيّته وقيمه بالإضافة إلى ذلك، تذكيرنا أن الأفعال هي التي تعكس جوهرنا الحقيقي وتظهر منهجيّتنا ومبادئنا بشكل أفضل من الأقوال فقط.