الثورة
سلّطت منظمة “أطباء بلا حدود” الضوء على الوضع الإنساني المتدهور في سوريا، محذرة من استمرار الاحتياجات الملحة لأكثر من 16.5 مليون شخص، رغم مضي أشهر على سقوط نظام الأسد، واصفة ما يجري بأنه “أزمة صحية وإنسانية عميقة” تتطلب تدخلاً عاجلاً.
أكدت المنظمة، في تقرير صدر مؤخراً، أن انهيار نظام الأسد في كانون الأول 2024 سمح لها بتوسيع نطاق عملها والوصول إلى مناطق كانت مغلقة سابقاً بسبب القيود التي فرضها النظام البائد، إلا أن سنوات من الدمار والإهمال خلّفت بنية تحتية صحية عاجزة، حتى في المناطق التي لم تتعرض مباشرة لأعمال القتال.
وتحدث التقرير عن تدمير عدد كبير من المرافق الصحية أو توقفها عن العمل، وانعدام الكوادر المتخصصة، مما حرم ملايين السوريين من الحصول على الرعاية الطبية الأساسية، خاصة في الأرياف والمناطق النائية.
أشارت “أطباء بلا حدود” إلى أن المراكز الصحية العاملة تعاني ضغطاً شديداً، حيث تعجز عن تلبية الحاجات اليومية للمواطنين، في ظل شحّ الدواء وتراجع كبير في إمكانات العلاج، وهو ما ينعكس بشكل خاص على مرضى الأمراض المزمنة الذين باتوا خارج أي نظام رعاية فعلي.
وتابعت المنظمة أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل الرعاية الصحية بعيدة المنال، ويضاعف من أثر تراجع الدعم الدولي للقطاع الإنساني.
حذرت المنظمة من أن انخفاض تمويل المساعدات الدولية أفضى إلى توقف العديد من المشاريع، وإغلاق مستشفيات رئيسية، مشيرة إلى أن هذا التراجع يُعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية في سوريا.
أفاد رئيس بعثة “أطباء بلا حدود” في سوريا، براين مولر، بأن المنظمة باتت تعمل في 11 محافظة سورية، وتقدّم خدمات مباشرة من خلال 15 منشأة طبية، بما يشمل الاستشارات الخارجية، وخدمات الصحة النفسية، والرعاية الإنجابية، إلى جانب الدعم اللوجستي لعدد من المستشفيات في دير الزور والرقة ودرعا.
كما أطلقت المنظمة برامج تدريب للطواقم الطبية حول التعامل مع الكوارث، ونشرت فرقاً طبية متنقلة في مناطق حلب وإدلب وريف دمشق لتوسيع نطاق الرعاية.
بيّن التقرير أن أكثر من 1.5 مليون نازح عادوا إلى مناطقهم بعد نهاية عام 2024، إضافة إلى أكثر من 640 ألف لاجئ عادوا من الخارج، إلا أن كثيراً منهم صُدم بالدمار الواسع وغياب البنية التحتية والخدمات.
وتحدثت المنظمة عن اضطرار العائدين للإقامة في مبانٍ مهددة بالسقوط، ومناطق ملوثة بالألغام ومخلفات الحرب، مما يضع حياتهم في خطر دائم، ويعرقل جهود إعادة الإعمار.
أوضحت “أطباء بلا حدود” أن أزمة المياه باتت تمثل تهديداً جديداً لحياة ملايين السوريين، حيث دفعت الأضرار الكبيرة في شبكات المياه والجفاف إلى الاعتماد على صهاريج ملوثة، في ظل انعدام الرقابة أو المعالجة.
وقالت كارولين تشيسنات، مديرة أنشطة المياه والصرف الصحي في المنظمة، إن تراجع النظافة والصرف الصحي ينذر بانتشار أوبئة خطيرة، خاصة في مخيمات النزوح ومناطق العودة.
وأشارت المنظمة إلى أنها مستمرة في تنفيذ مشاريع لترميم الآبار وتوفير مياه الشرب النظيفة، إلى جانب استمرارها في تقديم الخدمات الصحية والطبية، مشددة على التزامها بمواصلة العمل الإنساني في سوريا، رغم التحديات الأمنية واللوجستية والمالية.