الثورة – هلال عون
يرى الناقد مفيد خنسه أن المملكة العربيّة السعوديّة تشهد نهضة شعريّة رائدة على مستوى الوطن العربي، حسب كلمة غلاف كتابه الجديد الذي صدر حديثاً عن دار بعل بدمشق بعنوان: “النقد الاحتمالي في الشعر السعودي المعاصر”، وقد جاء الكتاب في (512) صفحة من القياس المتوسط، وضمّ بين دفتيه، ثماني عشرة دراسة نقديّة لثماني عشرة قصيدة مختارة من المجموعات الشعريّة الصادرة مؤخراً لثمانية عشر شاعراً وشاعرة، وهم حسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم كما ورد في الكتاب، إبراهيم طالع الألمعي، د. أحمد قران الزهران، إياد أبو شملة الحكمي، تهاني الصبيح، جاسم الصحيح، جاسم عساكر، حسن الزهراني، حسين محمد سهيل، سعود بن سليمان اليوسف، د. شتيوي الغيثي، صالح الهنيدي، طلال الطويرقي، عبد العزيز الأزوري، عبد الله ابراهيم المفتاح، محمد أبو شرارة، د. مستورة العرابي، محمد الفوز، ناجي حرابه.
يستهلّ المؤلف كتابه بمقدمة نظريّة للتعريف بمنهجه الجديد في النقد، ويبين فيها أن النقد الاحتمالي يعتمد على سبعة أسس هي: المعنى والسياق، المنطق الجمالي، التوازن، تقاطع الأزمنة، المبدأ الاحتمالي والنص الممكن، القيم المعيارية، تمثيل النص، إذ يقسّم كل قصيدة من القصائد المدروسة في الكتاب إلى فروع، ويحدد لكل فرعٍ عقدة، ومن ثم يقسم كل فرع من الفروع إلى شُعبٍ رئيسة وشعبٍ ثانويّة، ثم يبحث في المعنى لكلّ فرع من الفروع، ومن ثم يبين المعاني المحتملة لجملة ما مختارة للتطبيق، وعلى سبيل المثال، فإنه يختار الجملة، (اضربي، بمستوى عصاك، الحجر) من قصيدة “وافاطمه” للشاعر ابراهيم طالع الألمعي، فإذا كان الفعل ضرب يمكن أن يولّد خمسة عشر معنىً على الأقل، وإذا كان الفعل استوى يمكن أن يولد ستة عشر معنىً على الأقل، وكان الاسم الحجر يمكن أن يولد أحد عشر معنىً، فذلك يعني حسب المبدأ الأساسي في العد أنّ هذه المفردات في الجملة يمكن أن تولد (2640) معنى على الأقل، ولا يفوت الناقد خنسه ملاحظة أن هذا الرقم مبالغٌ فيه ليستدرك فيقول: فإذا سأل سائلٌ، هل هذه الحقيقة العلميّة تحدد شرطاً لازماً لفهم معنى هذه الجملة؟ والجواب ببساطة: بالطبع لا، لأنه يمكن فهم المعنى العام كما سبق وذكرنا، لكن هذه الحقيقة تعتبر شرطاً لازماً لمعرفة إمكانات المعنى في هذه الجملة، وليس المهم ذكر هذه الإمكانات بقدر ما يكون المهم، كيف نبني تفكيرنا بناء معرفيّاً يعتمد على العلم والمنطق!.
وحين يدرس مبدأ التوازن في القصيدة، ينطلق من مبدأ أن المحصلة النهائيّة لحركة النص تميل إلى التوازن، ويتبين ذلك من خلال التمثيل الدائري للقصيدة، حيث يحدد نواة القصيدة التي تعتبر نقطة انبثاقها وانطلاق أشعتها، وهي عبارةٌ عن مركزٍ لدائرة تتوزع عليها عقد الفروع، ونقاط التوازن في القصيدة.
كما يرى الناقد أن زمن القصيدة يمثل تقاطع الأزمنة لمكوناتها الأصليّة والفرعيّة، وخلال كل دراسة يختار الناقد مقطعاً من القصيدة المدروسة، ويحدد تركيباً شعريّاً ويدرس الإمكانات الدلاليّة له، كما يدرس النصوص الاحتمالية الممكنة المتولّدة عن التركيب نفسه، ومن ثم يعود فيدرسه من وجهة نظر منطقيّ ويحدد الجمل الشعريّة التي تشكل قضايا، مراعياً أهمية ترتيب القضايا الجزئيّة، وأهميّة أدوات الربط، موظفاً جبر القضايا، ومن ثم يدفع الأمر إلى حدوده القصوى حين ينظر إلى الجملة على أنها تعبير عن حدث، بافتراض فضاء احتماليّ للأحداث، مستفيداً من نظريّة المجموعات، وهكذا فإن الناقد يستطيع أن يبين بوضوح كيف أنه استطاع أن يجد مخارج مشتركة لكل من:
علم اللغة وعلم المنطق ونظريّة الاحتمالات، ليؤسس لنقد جديد يعتمد على العلم والمنطق، وبذلك يكون قد أكسب النقد الصفة العلميّة وحرره من الإنشاء الانطباعي الذي هيمن على النقد العربي عموماً.
