ماجد المالكي – صحفي سعودي:
حين نتأمل ملامح السياسة السعودية الحديثة، نجد أن الاستثمار لم يعد أداة اقتصادية فحسب، بل أصبح أحد أذرع الدبلوماسية الذكية التي تتقاطع مع الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، ولعل ما نشهده اليوم من توقيع اتفاقيات استثمارية كبرى بين المملكة وسوريا هو أحد أبرز تجليات هذه الرؤية الطموحة التي تتبناها الرياض في مرحلة ما بعد الأزمة.
المملكة عبر رؤية 2030 م تؤمن أن محيطها المستقر هو ضرورة داخلية لا خارجية، وأنه لا يمكن بناء اقتصاد مزدهر في جزيرة آمنة وسط بحر مضطرب، وبالتالي فإن دعم سوريا عبر البوابة الاستثمارية هو ليس مجرد صفقة تجارية، بل هو مشروع استراتيجي هدفه إعادة سوريا إلى محيطها العربي الطبيعي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
البعض يتساءل؛ لماذا وقعّت السعودية في هذا التوقيت؟ والجواب أن التوقيت هو جزء من الرسالة..
في لحظة بدأت فيها دمشق تلتقط أنفاسها الأولى بعد سنوات الحرب، جاءت الاستثمارات السعودية كأول ضوء عربي رسمي يدخل شرايين الاقتصاد السوري من جديد، لا حديث عن هيمنة، ولا خطاب وصاية، بل شراكة تقوم على المصالح وتعتمد على إعادة الثقة والفرص، وتفتح الأبواب أمام مئات آلاف السوريين للعودة من شتاتهم، ليس فقط إلى وطنهم، بل إلى حياة ممكنة.
لا يمكن أن نغفل أن الاستثمار السعودي في سوريا يحمل أيضاً بُعداً إنسانياً نبيلاً، فكل مشروع سكني وكل مصنع وكل شبكة طرق تُبنى بتمويل سعودي، هي في الحقيقة رسالة من الرياض إلى الشعب السوري؛ نحن معكم في البناء كما كنا معكم في المحنة.
ما تقوم به المملكة اليوم ليس استثماراً في الطوب والإسمنت فقط، بل استثمار في استعادة الهوية العربية لسوريا، وفتح نافذة جديدة لشعب يستحق أن يعيش كما نعيش.