الثورة فتحت قريحة اللّغة وكسرت أصنام الخوف.. الشاعر عمر الشيخ لـ “الثورة”: الشّعر تمرينٌ على التفكير ودفعة هواء نقيّة القصيدة تأمل حيّ من لحم ودم.. وتمرّد الانتصارات

حوار أحمد صلال – باريس:

ولد في دمشق، لكنّ البحر المتوسط أعاد تشكيله، في لارنكا، المدينة القبرصية التي لجأ إليها منذ سنوات، وجد الشاعر عمر الشيخ المسافة الكافية ليصغي إلى صوته الداخلي، ويفكّك، بجمالية نادرة، ذاكرته المشحونة بالأسئلة والمنفى والخوف، ما بين مدينتين، وخطَّي اشتباك “الشّعر والسياسة”، يكتب كمن يُمسك بجمرته الخاصة.

حاورته صحيفة الثورة، لتفتح النافذة على تجربة عمر الشيخ، الشّاعر الذي لا يزال يرى في الشعر فعلاً لتحرير الداخل، ومقاومةً لا تخمد حتى في أوحش المنافي:

– كيف جاءتك رغبة ارتكاب كتابة الشّعر؟

لم تكن “الرغبة” هي البداية، ولم يكن “الارتكاب” فعلاً اقترفه، بل الشعر هو من ارتكبني. كلمة “ارتكاب” تلمع في السؤال كاتهام، كمن يُحاكم على خروجه عن مألوف العائلة أو المجتمع، وربّما كان الأمر كذلك حقاً، لكنني لم أختَر الشّعر كما يُختار طريق مهني، بل اختارني هو، وانتشلني من ضياع محتمل في التقنيات الإلكترونية ومحالّ بيع الثياب، والمهن التي لا تشبهني، في سن الثالثة عشرة، كنت أقرأ عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني وعمر الخيّام، وكانت كلماتهم تحاورني بصوت خافت، تدفعني إلى الثورة والرفض، وتعلّمني أن الذات لا تُكتشف إلا عبر الجَمال والتمرّد، تكوّنت لغتي في تلك الحوارات الصامتة، وتشكل وعيي الجمالي في الظلّ، قبل أن أكتبه علناً في ديواني الأول.

– “سمّ بارد” اسم مجموعتك الشعريّة الأولى عام 2008، ما هي إلا تلك الخطوط الضوئيّة الممتدة بين خيالك وأفكارك، حدثنا أكثر عن ذلك؟

دعنا نبدأ من البيت، كان مناخ الأسرة ساماً بكلّ معنى الكلمة: بيت كبير، مزدحم بأجساد لا تملك الوقت أو العاطفة، يعيش تحت خطّ الفقر، في حيّ عشوائي على أطراف دمشق، السمّ الذي قصدته في عنوان المجموعة لم يكن سوى تلك الصرخة الجافة الخارجة من حنجرة شاب عشريني، يريد ألا يُطحن في ماكينة الفقر السوري؛ ماكينة البيت، وانعدام الحبّ، وغياب التوجيه الذي يمكن أن يفهم مشاغلي أو يحترم نموي الطبيعي.

كان الشّعر، أول تمرين لي على التفكير، أول دفعة هواء نقيّة داخل هذا الاحتباس، بدأت أكتب وأنا خارج لتوي من المعهد المتوسط للتقنيات الإلكترونية، محاطاً بأسلاك وعناصر دقيقة، لكن قلبي كان يهتف لأشياء أخرى: للغضب، وللصراخ، وللحب، ولأن أجد لنفسي مكاناً في هذا العالم الذي لم يصغِ إليّ يوماً.

– تحرّر منذ الصباح تلك النصوص الأولى، تلك العثرات الحسّية التي فيها من الصور والذكريات والثرثرة والمغامرة، كيف ترتكب هذا الفعل الشّعري؟

حين أعيد ترتيب النصوص بعد تشكيلها الأول، لا أكون “عمر الشّاعر”، إنما “المحرّر الأدبي” الذي لا يترك حشواً ولا ثرثرة غير شعريّة في القصيدة، أحاول أن أخلّص النص، قدر الإمكان، من الكلام العادي، لأحفظه داخل الصورة الشعريّة، وأحميه من الوقوع في فخ الكتابة بأصوات الآخرين، التي قد تتسلل دون انتباه، بفعل الانغماس في الضربات الشّعرية التي تهبط على بنية القصيدة.

– عنوان ديوانك الثاني “متى أصبح خبراً عاجلاً؟” يبدو كصرخة وجوديّة، هل يمكن أن تحدّثنا أكثر عن هذه التجربة؟ كيف ترى ذاتك في قصائد هذا الديوان؟ هو ليس سؤالاً إعلامياًّ بقدر ما هو تساؤل وجودي، بل أكتب عن الذات كما أراها، لكن عبر مرايا مشوّهة: مرآة التلفزيون، العائلة، الخوف، في هذا الديوان، أختبر علاقتي بالشعر كفعل نجاة، لا بوصفه تجميلاً للعطب، بل بصفته الصّيغة الوحيدة الممكنة للعيش داخل الخراب دون أن أفقد القدرة على الضحك أو الكتابة أو الانفجار.

– تقول في ديوانك الأخير “قبل أن تمتلك الأرض: قلت للجرح أن يبتعد عن المقبرة” عمر الشيخ كيف ألقت الثورة السورية بظلالها الشعرية عليك؟ صدر ديواني “قبل أن تمتلك الأرض” عام 2019، وكان في دمشق، بين يدي قراء يعيشون تحت سطوة نظام لا يرحم، بينما كنت أنا الشاعر منفياً في لارنكا، على الضفة المقابلة من المتوسط، المسافة كانت جغرافية فقط، أما ما كتبته فكان امتداداً لما أعيشه وأتنفّسه، الثورة السوريّة تجلّت في القصائد كقوة محرّرة، لا كموضوع خارجي، بل كشرط داخلي دفع اللغة إلى أقصى احتمالاتها، كنت أكتب بحذر في بداياتي، أُخفي صوتي داخل النص، وأراقب كلماتي كي لا تفضح ميلي إلى الغضب أو الحنين، مع آذار 2011، تغيّرت علاقتي بالشّعر، بدأت القصيدة تنبض بإيقاع الشّارع، وصار حضور الثوّار في “نهر عيشة” و”الميدان” يستفز تلك المناطق المخدّرة في داخلي، فأُطلق اللغة من رقابتها الأمنيّة، كتبت داخل سوريا، تحت غطاء عملي في التلفزيون السوري، أتنقل في الشوارع وأحاول فهم المسار الشعبي حتى حانت لحظة المغادرة من بيتي في جرمانا حيث داهمني الخطر، ثم واصلت المغامرة من قبرص بجرأة أوضح ورؤية أكثر نضجاً.

قصيدتا “هوامش عامة جداً للجحيم” (2011) و”ليصطادوا أنفسهم الهائمة” (2013) تعكسان هذا التحول الجوهري، الأولى جاءت كأنها اعتراف مكتوب في الهزيع الأخير من الليل، والثانية كنداء أخير لمن تبقّى، نُشرتا لاحقاً في الصحافة، وضُمنتا في ديواني الخامس الذي لا يزال ينتظر فرصة للنشر، الكتابة كانت بالنسبة لي مساحة صراع، وليست مهرباً، في المنفى كتبت المقال السياسي، وانفتحت لغتي على وضوح جديد، بينما ظل الشّعر مساحة لمواجهة جديّة العالم وقسوته، للحفاظ على رهافة المعنى في زمن الحطام، الثورة فتحت اللّغة كما فتحت الأسوار، وكسرت ترددي كما كسرت أصنام الخوف، كلّ ما كتبته كان موجّهاً إلى سوريا، عنها ولها، حين سكت كثيرون، شعرت أن صوت القصيدة يمكنه أن يسجّل لحظة تاريخية تُدفن فيها الأصوات عمداً، فكتبت، لا من أجل الرثاء، بل من أجل الذاكرة، بين الصّحافة والشّعر،

ـ أين تجد نفسك أكثر؟

الصحافة هي ما أفعله، الشّعر هو ما أنا عليه، أكتب المقال كمن يشعل مصباحاً في غرفة معتمة ليكشف شيئاً للآخرين، بينما أكتب القصيدة كمن يغمض عينيه ليشعل ناراً بداخله، الصحافة منضبطة، تتطلب وضوحاً، ترتيباً، مساءلة، أما الشّعر ففوضى جميلة، لا يعترف بالخريطة، ولا يحتاج إلى تصريح عبور، هو اللغة حين تفقد اتزانها لأن القلب تكلم. أحياناً أجد نفسي أكثر في القصيدة، حين أشعر أن العبارة لا تحتمل الدقة وحدها، وأن هناك شعوراً لا يمكن قياسه بالمنطق، أو خبراً لا يمكن تصديقه إلا حين يُروى بالخيال، لكنني لا أهرب من الصحافة، فهي تمتحنني كلّ يوم في علاقتي بالعالم، وهي التي أبقت قدميّ في الأرض، حين كان رأسي في الغيم، بين الصحافة والشعر، لا أختار واحداً، أنا أعيش في المسافة بينهما، وفي هذه المسافة فقط أكون حيّاً بحق.

– كلمة لقرّاء صحيفة “الثورة” السوريّة؟

دمشق هي الشّعر والثورة، وأنا مجرّد ابن من أبنائها الحالمين، أرجو أن تفتح لي عيون السوريين نوافذها مجدداً، أن يقرؤوا شعري كما لو أننا نلتقي بعد فراقٍ طويل، وأن نتصافح ذات يومٍ قريب بعد زوال الخوف وسقوط الطغيان، لأن الشّعر، في النهاية، هو أصدق لغات العناق.

آخر الأخبار
40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً قوانين التغيير.. هل تعزز جودة الحياة بالرضا والاستقرار..؟ المنتجات منتهية الصلاحية تحت المجهر... والمطالبة برقابة صارمة على الواردات الصين تدخل الاستثمار الصناعي في سوريا عبر عدرا وحسياء منغصات تعكر فرحة الأطفال والأهل بالعيد تسويق 564 طن قمح في درعا أردوغان: ستنعم سوريا بالسلام الدائم بدعم من الدول الشقيقة تعزيز معرفة ومهارات ٤٠٠ جامعي بالأمن السيبراني ضيافة العيد خجولة.. تجاوزات تشهدها الأسواق.. وحلويات البسطات أكثر رأفة عيد الأضحى في فرنسا.. عيد النصر السوري قراءة حقوقية في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية "الثورة" تشارك "حماية المستهلك" في جولة على أسواق دمشق مخالفات سعرية وحركة بيع خفيفة  تسوق محدود عشية العيد بحلب.. إقبال على الضيافة وتراجع في الألبسة منع الدراجات النارية بحلب.. يثير جدلاً بين مؤيد ومعارض!