الثورة- نور جوخدار:
إعلان وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني- مؤخراً- عزمه القيام بأول زيارة رسمية إلى الصين مطلع الشهرالمقبل، جاء ضمن رؤية تقوم على الحياد والدبلوماسية المتوازنة، بعيداً عن سياسة المحاور والاستقطاب التي طغت على حقبة النظام السابق.
ورغم أن بكين كانت أحد أبرز الداعمين للنظام السابق خلال سنوات الحرب، تسعى دمشق اليوم بخطوات عملية إلى إعادة تصحيح العلاقة معها، وإعادة تموضعها على الساحة الدولية، بناء على أسس جديدة تقوم على المصالح المشتركة والتعاون الاستثماري والاقتصادي وإعادة الإعمار.
وفي حديث خاص لـ “الثورة”، أكد المحلل السياسي علي إبراهيم التيناوي، أن العلاقة مع الصين اليوم تأخذ طابعاً استراتيجياً يخدم سوريا الجديدة، وأن دمشق بعد أربعة عشر عاماً من الثورة تعمل على إعادة بناء سياستها الخارجية على أسس المصلحة الوطنية بعيداً عن الحروب والمناكفات السياسية، تماماً كما تفعل في إعادة ترتيب علاقاتها مع روسيا.
وأضاف أن الزيارة المرتقبة إلى بكين تمثل خطوة مهمة في الانفتاح السياسي والدبلوماسي، فإن الحكومة السورية تسعى إلى فتح الأبواب مع مختلف دول العالم من أجل مصلحة السوريين وإعادة إعمار البلاد، مشيراً إلى أن العلاقة الجديدة مع الصين لا تُبنى على الماضي، بل على رؤية جديدة لسوريا كدولة وليدة تحاول بناء مكانتها الدولية دون الدخول في حالة استعداء مع أحد.
ويرى التيناوي، أن سوريا اليوم تعتمد على الدبلوماسية المتوازنة وسياسة واقعية تحاول من خلالها أن تكون على مسافة واحدة من جميع القوى الدولية، دون أن تنخرط في تحالف ضد آخر، لافتاً إلى أن الدبلوماسية السورية أثبتت نجاحها في بناء علاقات مع دول كبرى ومحورية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، ضمن رؤية تقوم على تصفير المشكلات السياسية وبناء شراكات على أساس المصالح المتبادلة، موضحاً أن بكين كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن وتمتلك حق “الفيتو”، وقوة اقتصادية كبرى، تمثل فرصة مهمة لسوريا لإعادة التموضع الدولي بطريقة متوازنة.
وحول فرص نجاح سوريا في جذب استثمارات صينية لإعادة الإعمار ضمن مشروع الحزام والطريق، أكد المحلل السياسي أن الصين تمثل شريكاً اقتصادياً مهماً لسوريا، خاصة في إطار مشروع “الحزام والطريق”، مشيراً إلى أن سوريا اليوم سوق مفتوح للاستثمار بعد الدمار الكبير الذي لحق بها، وأن جذب الاستثمارات الصينية والعربية والدولية ضرورة لبناء البنية التحتية وإحياء الاقتصاد الوطني.
وبيّن أن السياسة السورية تسعى لاستقطاب جميع القوى الاقتصادية في العالم لصالح الشعب السوري، وأن بكين، رغم تحالفها السابق مع النظام البائد، تؤسس اليوم لعلاقة سياسية ودبلوماسية جديدة قائمة على المصالح المتبادلة والمشاريع التنموية، بعيداً عن التبعية السياسية.
وفي معرض حديثه عن توازن العلاقات الدولية، تابع التيناوي أن السياسة الواقعية المتوزانة التي تنتهجها دمشق ممثلة بالرئيس أحمد الشرع، ووزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني تهدف إلى تحقيق توازن بين واشنطن وبكين، وبين موسكو وواشنطن، لضمان أن تبقى سوريا دولة مسالمة تبني علاقاتها مع الجميع دون أن تنخرط بحلف ضد آخر.
وحول ما إذا كانت دمشق قد تتحول إلى ساحة تنافس غير مباشر بين الصين والولايات المتحدة، رأى المحلل السياسي، أن هناك بالفعل “حرباً هادئة” بين القوتين لكن السياسة السورية تقوم على “فن الممكن”، أي بناء تحالفات متوازنة مع الجميع بما يخدم إعادة بناء الوطن المدمر، دون الانجرار إلى الصراعات القائمة.
وأكد أن الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تكون لبناء سوريا الجديدة وتحسين أوضاع المواطنين، بينما يمكن النظر في التحالفات السياسية الكبرى على المدى البعيد.
وختم التيناوي حديثه بالتأكيد على أن سوريا بحاجة إلى فتح أبوابها أمام جميع الدول لإعادة البناء، وأن التحالفات والعلاقات الجديدة من كافة الأقطاب، ضرورة حتمية ووطنية لإيصال رسالة واضحة بأن سوريا التي خرجت من الحرب والدمار، تسعى لبناء نفسها بأيدي جميع أبنائها.