الثورة – هنادة سمير:
في حيّ المزة، أحد أكثر أحياء دمشق ازدحاماً وحيوية، يعيش السكان منذ أسابيع على وقع الخوف والقلق بعد تزايد حوادث سرقة السيارات بشكل غير مسبوق.
فمنذ مطلع أيلول حتى منتصف تشرين الأول، سُجلت وفقاً لضبوط أقسام الشرطة وشهادات الأهالي أكثر من 60 حالة سرقة سيارات خاصة، في مؤشر مقلق على تصاعد الجريمة المنظمة في العاصمة.
أثر أمني ومادي مباشر على السكان
الأثر واضح على مستوى الأمن الشخصي وحرية التنقل: مواقف تُترك فارغة خوفاً من الوقوف طوال الليل، ومصاريف استثنائية على التأمين أو الاستعانة بحراس خصوصيين، وتتكرر هذه القصص في أحياء متعددة من دمشق مثل الميدان والمهاجرين والعدوي، حيث تؤكد شهادات مواطنين أن السرقات غالباً تتم في ساعات الفجر الأولى، فيما تعجز الكاميرات القليلة المنتشرة عن توثيق الحوادث بسبب ضعف الإنارة أو انقطاع الكهرباء المتكرر.
يروي سامر شيخ الشباب أحد شهود الحي تجربته للثورة قائلاً: اختفت سيارتي من أمام البناية ثم ظهر جزء من محركها معروضاً لدى ورشة في منطقة ريفية بعد أيام فقط وتكررت الشهادات المماثلة على منابر محلية.
عوامل مسهّلة
يشير أهالي حي المزة إلى وجود عوامل بيئية وتقنية تسهل على السارقين مهمتهم منها ضعف الإنارة في شوارع فرعية وغياب كاميرات مراقبة عامة، كما يشيرون إلى أن بعض مرونة تحركات الباعة والوسطاء في المناطق الريفية تسهّل عملية تحويل المركبات وفيما تطالب التصريحات البلدية بتكثيف الدوريات، يواصل الأهالي الوسائل الذاتية للحماية مثل تنسيق حراسة، تداول أرقام دوريات، وتحذيرات على مجموعات الحي.
شبكات منظمة تنقل المسروقات
بحسب تقارير أمنية محلية، فإن أغلب السيارات المسروقة تُنقل إلى مناطق ريف دمشق مثل الكسوة وجرمانا ويبرود، حيث تُفكك وتُباع كقطع غيار في ورش صغيرة، قبل أن تُهرّب مجدداً إلى محافظات أخرى، ويقول أحد المواطنين: السرقات لم تعد فردية، بل باتت تنفذها مجموعات محترفة تمتلك ورش تفكيك ونقل وتجار وسطاء في آن واحد.
خسائر مالية تثقل كاهل الأسر
ولا يقل البُعد الاقتصادي خطورة: سوق قطع الغيار غير الرسمية تُمثّل قنوات لبيع أجزاء سيارات مسروقة، ما يخلق اقتصاداً موازياً يضرّ بقطاع الصيانة الرسمي ويضعف الثقة في السوق.
حول ذلك يبين الباحث الاقتصادي معتصم خير الله في حديثه لـ”الثورة” أن الخسائر المباشرة الناتجة عن هذه السرقات في أحياء دمشق خلال شهرين تقدر بنحو ملياري ليرة سورية، موضحاً أن كل سيارة تُسرق تمثل خسارة مزدوجة، لصاحبها الذي يفقد وسيلة تنقله، وللسوق الرسمي الذي يخسر جزءاً من حركة قطع الغيار المشروعة.
ويضيف: تجارة قطع الغيار المسروقة أصبحت نوعاً من السوق السوداء داخل السوق نفسها، تُدار بعلاقات غير رسمية بين ورش وموزعين وتجار، ما يؤدي إلى تراجع الثقة بالقطاع الصناعي والخدمي، ويُضعف الرقابة الجبائية والمالية.
كما تبين التقارير أن جميع الضبوط المتعلقة بالحوادث تم تسجيلها في مراكز الشرطة لكن المواطنين يرون أن الإجراءات الأمنية ما تزال رد فعل متأخر، ويطالبون بخطة وقائية تشمل إنارة الأحياء الحساسة وتركيب كاميرات مراقبة عامة وربطها بالبلديات.
ضعف الردع
يرى الخبير الحقوقي المحامي مروان زرزور أن القانون السوري يتعامل مع سرقة السيارات كجريمة عادية في بعض الحالات، رغم أنها أصبحت جريمة منظمة تمس الأمن العام والاقتصاد الوطني.
ويضيف في حديثه لـ”الثورة”: العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام، بين الحبس من ثلاث الى خمس سنوات، لم تعد رادعة، خصوصاً مع غياب آليات التنفيذ السريع واستفادة السارقين من الثغرات في التحريات والإثبات، مشدداً على ضرورة تعديل التشريعات بما يتناسب مع تطور الجريمة، وخاصة أن سرقات السيارات باتت تترافق أحياناً مع جرائم تزوير وثائق ولوحات وبيع غير مشروع عبر وسطاء وبينما تواصل الجهات الأمنية تسجيل الضبوط وتتبّع الشبكات، يبقى سكان المزة ودمشق عموماً يعيشون تحت وطأة الخوف من أن يأتي الدور على سياراتهم، فالجريمة لم تعد طارئة، لكنها أصبحت منظمة ومتصلة بشبكات اقتصادية خفية.
وفي غياب حلول حقيقية تعيد الشعور بالأمان لسكان الحي وتغلق منافذ بيع القطع المسروقة، يبقى الشارع الدمشقي في حالة استنفار بانتظار فجر أكثر أماناً.