الثورة – منهل إبراهيم:
تظهر الأرقام المتصاعدة في عدد ضحايا “القاتل الصامت”، أن خطر الذخائر والألغام غير المتفجرة لايزال حاضراً بقوة في حياة السوريين اليومية، في ظل غياب الدعم الدولي الكافي لبرامج إزالة الألغام وتأهيل المصابين، ما يجعل من التحرك السريع لإعادة تأهيل الأراضي وتطهيرها خطوة أساسية وإنسانية لإعادة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة، وضمان سلامة المدنيين ومستقبلهم.
وسجلت الوحدة التنسيقية للأعمال المتعلقة بالألغام في سوريا (MA AoR)، التابعة لـ “مجموعة الحماية العالمية”، 108 حوادث ناجمة عن ذخائر غير متفجرة في مختلف أنحاء البلاد بين 15 آب و15 تشرين الأول 2025، أسفرت عن 158 إصابة في صفوف المدنيين، بينهم 39 فارقوا الحياة و119 مصابا.
ووفقاً للتقرير الصادر يوم الثلاثاء الماضي، 21 تشرين الأول، فإن الرجال والفتيان شكلوا غالبية الضحايا، حيث وقعت معظم الحوادث في المناطق الزراعية ومناطق الرعي، فيما سجلت النسبة الأكبر من الإصابات في حمص وحلب ودير الزور ودرعا وريف إدلب.
ومنذ كانون الأول 2024 وحتى منتصف تشرين الأول الجاري، رُصدت 767 حادثة ذخائر غير متفجرة في عموم سوريا، تسببت في وفاة 552 شخصاً وإصابة 874 آخرين، ليصل العدد الإجمالي للضحايا إلى 1426 مدنياً.
وتؤكد هذه الأرقام أن الذخائر غير المنفجرة ماتزال أحد أكبر التهديدات التي تواجه حياة السوريين، وخصوصاً في المناطق الريفية التي يعتمد سكانها على الزراعة والرعي كمصدر أساسي للدخل.
ومن بين 108 حوادث موثقة خلال الشهرين الماضيين، وقعت 62 حادثة في الأراضي الزراعية ومناطق الرعي، تسببت بوفاة 27 شخصاً وإصابة 64 آخرين، معظمهم من الرجال والأطفال.
وبينت الوحدة التنسيقية للأعمال المتعلقة بالألغام في سوريا أن نحو نصف الوفيات من الرجال (13 وفاة و26 مصاباً)، في حين توفي 12 طفلاً، وأصيب 33 آخرون أثناء عملهم أو لعبهم في تلك المناطق.
ويعكس هذا الوضع وفق رأي المنظمات الدولية والحقوقية حجم المخاطر التي تهدد سبل العيش الريفية، إذ تتحول مخلفات الحرب إلى عائق يومي أمام الزراعة والرعي، وتؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية متكررة في سوريا.
ورغم تفاقم الأزمة، أشار تقرير الوحدة إلى أن خدمات رعاية الصدمات، والأطراف الصناعية، وإعادة التأهيل، والدعم النفسي والاجتماعي ماتزال محدودة جداً في معظم المناطق السورية، ويواجه الأطفال المصابون تحديات مضاعفة، إذ تتطلب حالاتهم رعاية دائمة واستبدالاً متكرراً للأطراف الصناعية بسبب النمو، في ظل عجز مالي تعانيه معظم الأسر، وتقدم هذه الخدمات غالباً عبر منظمات غير حكومية بتمويل سنوي متقطع، ما يجعل استمرارها مهدداً دائماً بالتوقف.
إلى ذلك حددت المنظمات العاملة في قطاع الألغام جملة من الأولويات الإنسانية العاجلة، أبرزها، توسيع نطاق عمليات المسح والتطهير للمناطق الملوثة، وتعزيز التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة عبر برامج موجهة للمجتمعات الريفية والمدارس، وتحسين خدمات رعاية المصابين، بما في ذلك الدعم البدني والنفسي والاجتماعي.
كما قدمت الوحدة التنسيقية خمس توصيات أساسية، منها زيادة التمويل المخصص لعمليات المسح والتطهير، إذ لم يلب سوى 13% من احتياجات خطة الاستجابة لعام 2024، المقدرة بـ51 مليون دولار، وتعزيز التنسيق، وإدارة المعلومات لتحديد أولويات التدخل في المناطق الأكثر تلوثاً، وتوسيع التوعية المجتمعية باعتبارها أداة رئيسية للوقاية وإنقاذ الأرواح، وتوفير الدعم للضحايا عبر برامج إعادة التأهيل البدني والنفسي، وتسهيل الوصول إلى الأطراف الصناعية وفرص العمل، وكذلك دعم المركز الوطني للأعمال المتعلقة بالألغام، وتعزيز قدرته على التنسيق والإدارة المستدامة لأنشطة مكافحة الألغام.
وبحسب الدفاع المدني السوري، توجد أنواع من مخلفات الحرب مدفونة على أعماق متفاوتة، ما يصعّب اكتشافها وإزالتها، وتختلف الذخائر غير المنفجرة عن الألغام التقليدية، إذ تكون عادة قنابل أو قذائف فشلت في الانفجار، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة عند تحريكها.
ووثق الدفاع المدني استخدام أكثر من 60 نوعاً من الذخائر خلال الحرب، بينها 11 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً.
ومنذ اندلاع الثورة في سوريا، ضد النظام المخلوع وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وفاة 3521 مدنياً بسبب الألغام، بينهم 931 طفلاً و362 امرأة، إلى جانب أكثر من 10,400 مصاب، كثير منهم بحاجة إلى أطراف صناعية ورعاية طويلة الأمد، كما سجل الهلال الأحمر السوري 5686 ضحية بين وفيات وإصابات في نحو 1700 قرية منذ عام 2018.
وأفاد مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review) في تقريره لعام 2023 بأن سوريا تصدرت للعام الثالث على التوالي قائمة الدول الأكثر تسجيلاً لضحايا الألغام ومخلفات الحرب، مع توثيق 834 ضحية خلال عامي 2022 و2023.