أكثر من قرن على الوعد المشؤوم ..”صفقة القرن” حلقة بسلسلة التآمر.. وصكوك التطبيع لا تشرعن الاحتلال


الثورة أون لاين – لميس عودة:

مئة وثلاثة أعوام مضت على وعد بلفور المشؤوم.. أكبر جريمة تاريخية تآمر فيها الغرب الاستعماري المتصهين على المنطقة العربية، وما زالت نصال المؤامرة ذاتها تغوص عميقاً في استهداف جسد دول محور المقاومة التي لم تحرف بوصلة ثوابتها وبقيت قابضة على جمرات مبادئها في وجه مخططات تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت وتمزيق منطقتنا خدمة للعدو الصهيوني، فالوعد الجريمة أرّخ لبداية فصول الوجع العربي وبداية المأساة الفلسطينية يوم زرع بموجبه الكيان الصهيوني عنوة كياناً عنصرياً توسعياً إرهابياً في قلب الوطن العربي.
هذا الوعد لا يزال الفلسطينيون يعانون تبعاته استهدافاً جسدياً، وتهجيراً قسرياً وسلباً لأراضيهم وممتلكاتهم لتوسيع الاستيطان غير الشرعي، ويدفعون ثمنه نزيفاً دائماً على مساحة فلسطين المحتلة، وعد ممن لا يملك إلى من لا يستحق، لم تشعر بريطانيا يوماً بعار فعلتها، ولم تحاول حكوماتها المتعاقبة التكفير عن جريمتها النكراء بإصلاح الغبن التاريخي الذي ألبسته ظلماً للشعب الفلسطيني، وبقيت تمعن بدعم الباطل وتعزز غطرسة الكيان الصهيوني.
مئة وثلاثة أعوام على وعد بلفور الظالم والمجحف وغير الإنساني ولم يطرأ أي تغيير أو تبديل في المشهد الدولي، أو في سياسات الدول الاستعمارية الضالعة بالمؤامرة على الحقوق الفلسطينية المشروعة وفي مقدمتهم أميركا عرابة الجريمة الحالية “صفقة القرن”، والراعية لبازارات التطبيع المهين في سوق نخاسة محور الذل والتواطؤ من أنظمة أعرابية حرفت البوصلة عن القضية المركزية ووقعت صكوك بيعتها وتبعيتها للعدو الصهيوني.
خلفية تاريخية..
بدأ وعد بلفور كفكرة راودت الصهاينة بدأت فصولها تبرز في مؤتمر بازل سنة 1897 وعملت بكل ما أوتيت من مكر وخديعة لأخذ تعهد من الدول الاستعمارية الكبرى لتحقيق مرادها في اغتصاب فلسطين وتشكيل بؤرة استيطان صهيونية، وجاء الوعد البريطاني المشؤوم أشبه بنقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية لذا اندفع الصهاينة بعده لتوحيد جهودهم ومضاعفتها بعد أن وجدوا دولة كبيرة بحجم بريطانيا تتحمس لمشروعهم، لذا تقدموا ببرنامج خاص لإدارة فلسطين وتوطين الصهاينة فيها فكانت فكرة تأسيس ما يسمى الوكالة اليهودية وتأسيس شركة ذات امتياز لشراء الأراضي وتوطين الصهاينة المهاجرين إليها، ثم قامت بريطانيا بإدخال وعد بلفور في وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين الصادرة من عصبة الأمم متواطئة في ذلك مع الدول الكبرى ليسري العمل بهذا الوعد بصفة رسمية وعلنية وبغطاءٍ مِن عصبة الأمم لتكتمل بذلك المؤامرة على العرب والشعب الفلسطيني.
وباندلاع الحرب العالمية الأولى توافرت الأجواء الدولية الملائمة لتنفيذ الايدولوجيا الصهيونية وذلك بإنشاء كيان يجمع شتاتهم المبعثر على امتداد القارات، وذلك على حساب الشعوب الأصلية، وبدت بريطانيا الإمبراطورية الوحيدة القادرة على تنفيذ هذا الالتزام لعدة أسباب منها أنها الدولة الأوروبية الأكثر ظهوراً على الواجهة الإمبريالية، وأظهرت توجهاً نحو المنطقة العربية منذ وقت مبكر ما أهلها لأن تكون الرحم الحاضن للأجندات الصهيونية، لينمو هذا الجنين الصهيوني في رحم الدولة البريطانية منذ عام 1905 وقبلها بعدة سنوات شهدت تدشين بعض الشركات الصهيونية الأولى الهادفة إلى إيجاد بقعة للصهيونية على أرض فلسطين.
وباجتهاد خبيث من كبار منظري الصهيونية لكسب الغطاء البريطاني للكيان الصهيوني المقترح بدأت عملية المغازلة الصهيونية مع بريطانيا وتحايلوا بأن توطين عنصر تابع لبريطانيا في فلسطين يمكن أن يشكل سداً منيعاً يوفر الأمان لقناة السويس ويحرس لبريطانيا مواصلاتها إلى الهند والشرق الأدنى، في مقابل تلك الخدمات العظيمة خفض الصهاينة مطالبهم في أن تخوض بريطانيا الانتداب على أرض فلسطين وتسهل إقامة وطن قومي للصهاينة، وأصروا على ضرورة أن يكون محاطاً ب”غطاء شرعي” ألا وهو الاعتراف الدولي.
المؤتمرات الصهيونية والتآمر الغربي على فلسطين..
في عام 1896 قام تيودور هرتزل باقتراح حل للمشكلة في كتابه “دولة اليهود” إذ اقترح تأسيس وطن قومي لهم في الأرجنتين أو فلسطين، أما المكان فلم يكن له أي أهمية في نظر هرتزل الذي كان أمام أن يختار مقراً لشركته الاستعمارية بين الأرجنتين وفقاً لاقتراح البارون الصهيوني هيرش، وبين أوغندا التي اقترحتها بريطانيا، غير أن هرتزل فكر بإيلاء فلسطين الأفضلية لغرس الكيان الصهيوني فيها بناء على التعاليم التلمودية لاجتذاب الصهاينة، وفي 1897 عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا حين أوصى «برنامج بازل» استعمار فلسطين و تأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وعقد المؤتمر الرابع للحركة الصهيونية في 1904 وقرر تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين، لكن في العام 1906 قرر برلمان الحركة الصهيونية أن يكون الوطن القومي لليهود في فلسطين.

وتواصلت مساعي الحركة الصهيونية للحصول على وعود من الدول الاستعمارية الكبرى بإنشاء وطن قومي لهم حتى كان لهم ذلك في 2 تشرين الثاني 1917 حين قامت الحكومة البريطانية بإصدار “وعد بلفور” في هيئة رسالة من وزير خارجيتها جيمس آرثر بلفور إلى زعيم الحركة الصهيونية، وتعهد فيها وزير الخارجية بأن تقوم حكومة مملكة بريطانيا بالعمل بأفضل ما يمكنها من أجل تحقيق هدف تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918 بدأ الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني وفق قرارات عصبة الأمم، ووفق وعد بلفور وشروط الانتداب قامت سلطة الانتداب بتيسير هجرة اليهود بهدف تأسيس وطن قومي في فلسطين، ليبدأ معها بشكل واسع وضخم إنشاء مشروعات زراعية واقتصادية قامت بها الحركة الصهيونية خلال فترة الانتداب في فلسطين لحساب المستوطنين الجدد كما ازدادت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
الاحتيال البريطاني لغرز كيان الإرهاب..
اعتمد الانتداب البريطاني على فلسطين وبشكل ممنهج أربع وسائل رئيسية في سياسته لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وهي حق انتزاع الأراضي الفلسطينية, دعم وتشجيع الهجرة الصهيونية, التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية الصهيونية,قمع الشعب الفلسطيني.
وقامت بريطانيا بفتح الباب واسعاً أمام الصهاينة ليتملكوا قطاعات كبيرة وواسعة في فلسطين, وأما الدستور الفلسطيني الذي أصدرته إدارة الانتداب البريطانية فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ وضع كل ثروات فلسطين الطبيعية من المعادن والمناجم والأنهار تحت تصرف المندوب السامي البريطاني وبشكل مطلق، الأمر الذي خوله بكل الصلاحيات أن يؤجر ويهب الأراضي العمومية لمن يشاء، ومن البديهي أن تكون كل هذه الهبات لمصلحة الكيان الصهيوني، إذ إن سياسة الانتداب البريطاني آنذاك كانت قائمة على هدف انتزاع الأراضي من أصحابها الأصليين بيد ومنحها للكيان الصهيوني باليد الأخرى.
نص وعد بلفور
عزيزي اللورد روتشيلد.. يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني “اليهود” والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرّته: “ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وعد بلفور باطل قانونياً..
بريطانيا بإصدارها هذا الوعد أعطت لنفسها الحق في أن تتصرف في فلسطين التي لا تملكها وتعطيها لمن لا يستحق ودون أن ترجع إلى أصحاب الأرض، الأمر الذي يجعل من هذا الوعد باطلاً تنعدم فيه الأهلية القانونية، فطرف التعاقد مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص أو أشخاص و ليس دولة، شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي وهو روتشيلد، ومن شروط صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة دولية كما هو معروف هو أن يكون طرفاً أو أطراف التعاقد من الدول أولاً ثم من الدول ذات السيادة ثانياً, أما التعاقد أو الاتفاق أو التعاهد مع الأفراد فهو باطل دولياً شكلاً وموضوعاً وبالنتيجة فإنه ليس ملزماً حتى لأطرافه.
وقد فند مختصون في القانون الدولي هذا “الوعد” البريطاني وأكدوا بطلانه لعدة أسباب أهمها:
1- الوعد صدر في عام 1917 أي في وقت لم يكن لبريطانيا فيه أي صلة قانونية بفلسطين.
2- احتلال بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور الوعد ولأن قانون الاحتلال الحربي لا يجيز لسلطة الاحتلال التصرف بالأراضي المحتلة.
3- الوعد أعطى فلسطين لمجموعة لا تملك أي صفة أو حق في تسلمها أو استيطانها أو احتلالها.
4- الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة بين دول أو كيانات دولية ذات سيادة فاللورد بلفور مسؤول بريطاني ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم دولته مع اليهود المنتشرين في العالم والذين لم يكن لهم شخصية قانونية دولية.
5- الوعد أضر بالحقوق التاريخية والقومية المكتسبة لسكان فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد اعترفت لهم الدول الحليفة والمنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسي والاجتماعي لهم.
6- الوعد يتناقض مع بعض المواد الواردة في ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب فهو مثلاً يتناقض مع المادة العشرين من الميثاق، وكان على بريطانيا أن تلتزم بهذا النص وتلغي التزامها بوعد بلفور، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان الإرهابي.

7- الوعد يتناقض كذلك مع المادة الخامسة من صك الانتداب التي تلزم الدولة المنتدبة بحماية فلسطين من فقدان أي جزء من أراضيها أو من تأجيرها، ولكن بريطانيا بحصر اهتمامها بيهود فلسطين وتشجيع الهجرة وتدريب الميليشيات الإرهابية الصهيونية، أخلّت بالمادة المذكورة وساعدت فئة من الدخلاء على الاستيلاء على قسم من فلسطين وتشريد سكانها الأصليين.

ويؤكد القانونيون أن عصبة الأمم خرقت ميثاقها عندما سمحت بإدخال وعد بلفور في صك الانتداب، وعندما تغاضت عن التصرفات البريطانية التي أخلت بالمبادئ الدولية فشجعت بذلك المنظمة العالمية التي خلفتها على اتخاذ قرار جائر بالتقسيم.
إن وعد بلفور ليس أول ولا آخر وعد يقدم للصهاينة عبر التاريخ فهو مجرد حلقة في سلسلة زرع الكيان الصهيوني الإرهابي في قلب الأمة العربية، فقد وجد الصهاينة اليوم من يعدهم بأكثر مما وعدهم به بلفور، فالولايات المتحدة الأميركية ترعى بكل صفاقة جريمة “صفقة القرن” لشطب الحقوق الفلسطينية وتلهث لتكريس الاحتلال و شرعنة اغتصاب الأراضي المحتلة، وهذه الصفقة المشؤومة ما هي إلا امتداد واستكمال لوعد بلفور المشؤوم.

آخر الأخبار
طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران