الثورة – إيمان زرزور:
شكّلت انطلاقة حملة “دير العز” في دير الزور مؤشراً على انتقال العمل الإغاثي في المحافظة من مستوى الاستجابة الطارئة إلى مستوى التخطيط التنموي طويل الأمد، إذ لا تكتفي الحملة بترميم آثار الدمار الهائل الذي لحق بالمحافظة خلال الحرب في سوريا، بل تسعى أيضاً إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي والاقتصادي وتعزيز استقرار المنطقة.
إن سعي الحملة لجمع 15 مليون دولار في مرحلتها الأولى يعكس توجهاً نحو برامج شاملة لا تقتصر على الإغاثة بل تمتد إلى التعليم والصحة والإسكان وسبل العيش، وهو ما يشير إلى إدراك القائمين عليها أن التحديات في دير الزور تتطلب تدخلات متعددة القطاعات لتحقيق أثر مستدام وليس مجرد دعم آني.
التركيز على إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الطبية وتجهيز المدارس ودعم الأطفال بالمستلزمات يعكس وعياً بأن أي عملية إعادة إعمار حقيقية لا تنجح بدون تحسين الصحة والتعليم أولاً، وهما القطاعان الأكثر تضرراً والأكثر ارتباطاً بإعادة بناء رأس المال البشري في المحافظة.
كما أن إدراج ترميم المنازل المدمرة وتأمين مساكن مؤقتة للأسر المتضررة ضمن الخطة، إلى جانب إطلاق مشاريع صغيرة لتمكين الشباب والأسر، يعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، فالحملة تراهن على أن تحسين السكن وخلق فرص العمل سيسهم في تقليص معدلات النزوح والهجرة ويعيد الثقة بين السكان والسلطات المحلية.
ولم تكن التصريحات التي أطلقها الوزراء خلال الفعالية بروتوكولية بقدر ما حملت إشارات سياسية واجتماعية مهمة، إذ أكد وزير الصحة على الالتزام الحكومي بإعادة بناء القطاع الصحي، بينما شدد وزير الإعلام على إنهاء تهميش دير الزور والجزيرة واعتبارهما أساساً لوحدة سوريا الجديدة.
وأشار وزير الثقافة إلى أن المدينة لقنت نظام الأسد البائد درساً، وأن الثقافة جزء لا يتجزأ من النهضة، فيما اعتبر المحافظ الحملة بداية مرحلة جديدة من التماسك المجتمعي.
هذه الرسائل تعكس توجهاً رسمياً لإعادة دمج المحافظة في مشروع الدولة بعد سنوات طويلة من التهميش والدمار.
ما يميز حملة “دير العز” أنها ليست مبادرة عابرة بل مشروع لإعادة صياغة المشهد التنموي في دير الزور ضمن مقاربة أكثر شمولية، إذ يلتقي البعد الإنساني مع التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإذا نجحت هذه الحملة في تحقيق أهدافها، فإنها قد تتحول إلى نموذج يُحتذى به لإعادة الإعمار في باقي المناطق السورية المتضررة.