الثورة – عبد الحليم سعود:
في خطوة متوقعة أثارت مخاوف السودان وقلق مصر وإدانتها، دشّنت إثيوبيا قبل يومين، سد النهضة الضخم على نهر النيل بعد نحو 14 عاما من البدء بالمشروع، وذلك في احتفال رسمي حضره عدد من القادة الأفارقة مثل رئيس كينيا وليام روتو، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، بالإضافة إلى قيادات إثيوبية ومسؤولين عسكريين ودوليين.
الحدث الذي يعتبر حيويا بالنسبة لأثيوبيا التي تتطلع لإنتاج 5 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية وهو ضعف ما تنتجه حالياً، تلقته كل من مصر والسودان “دولتا المصب” بالريبة والقلق من تداعياته السلبية المحتملة على أمنهما المائي، فمصر التي تعتمد على نهر النيل لتلبية 97% من احتياجاتها المائية، تعتبر الخطوة تهديدا وجوديا لأمنها المائي، وخاصة مع الفجوة الكبيرة بين مواردها واحتياجاتها، وفي أول رد فعل مصري على الاستفزاز الأثيوبي ، وجهت القاهرة خطابا رسميا إلى رئيس مجلس الأمن أدانت فيه إعلان اثيوبيا تشغيل السد، معتبرةً ذلك إجراءً أحاديًا وغير قانوني يخالف القانون الدولي ويهدد مصالح دولتي المصب (مصر والسودان).
وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على تمسك بلاده بحقوقها المائية وعدم التنازل عنها، مشدداً على ضرورة تطبيق قواعد القانون الدولي وحق مصر في اتخاذ كافة الإجراءات لحماية مصالح شعبها.
أما السودان فعبرت عن مخاوفها من “الإجراءات الأحادية” التي اتخذتها إثيوبيا، ورفضت سياسة فرض الأمر الواقع من قبل أثيوبيا.
كما حذرت من تهديدات محتملة لسدودها، خصوصاً سد روزيرص، مع توقع نقص في تدفق المياه يصل إلى 25% في مواسم الجفاف.
ولعل الأدهى من خطوة تدشين السد المثيرة للجدل والخلاف بين العواصم الثلاث هو ما ذهب إليه مدير مشروع السد، كيفلي هورو، حين طالب كل من مصر والسودان بتحمل نصف تكلفة بناء السد، مستنداً إلى الفوائد المشتركة التي ستجنيها كلا الدولتين من تنظيم تدفق المياه، والحد من الفيضانات السنوية في السودان، وتحسين الري الزراعي على حد زعمه، مع تأكيده على أن الملء النهائي لخزان السد سيستمر رغم المخاوف المحتملة.
في غضون ذلك نظم المجلس العربي – وهو مؤسسة دولية مقرها في جنيف – ورشة عمل متخصصة ناقشت مستقبل الأمن المائي في مصر والسودان، وركزت على الجوانب السياسية والقانونية والفنية، إضافة إلى السياسات الداخلية للتعامل مع تداعيات تدشين سد النهضة.
وقد تناولت الورشة المخاطر الفنية والبيئية المرتبطة بالتشغيل غير المنسق لسد النهضة، بما في ذلك تأثيره على تدفقات المياه، الزراعة، والبيئة في مصر والسودان. وأوصى الخبراء بإجراء دراسات مستقلة وشفافة بقيادة خبراء محليين ودوليين، لتقييم الآثار الفعلية وتفنيد الروايات الرسمية الإثيوبية.
وخلصت الورشة إلى أن عسكرة ملف المياه وتهميش الخبراء وغياب التنسيق بين القاهرة والخرطوم أفقدهما ضماناتهما القانونية والتاريخية، ووفّر غطاءً سياسيًا وقانونيًا لإثيوبيا لمواصلة بناء وتشغيل السد دون التنسيق مع كل من مصر والسودان.
وطالب المشاركون بالورشة بضرورة إعادة إدارة الملف إلى المؤسسات المدنية والخبراء المختصين، وتشكيل لجنة مستقلة من مصر والسودان لتطوير استراتيجية متكاملة تجمع بين المسارات السياسية، القانونية، والفنية، كما شددوا على أهمية الانفتاح المدروس على قوى إقليمية ودولية، مع تجنّب الاعتماد على وساطات لم تُحقق نتائج ملموسة في السابق.
كما أكد المشاركون على ثبات الحقوق المائية لمصر والسودان وفق قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية، لا سيما مبدأ “عدم التسبب في ضرر جسيم”.
يشار إلى أن سد النهضة من أكبر السدود الكهرومائية في أفريقيا، ويبلغ ارتفاعه 145 متراً وعرضه 1.8 كيلومتر، مع سعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه، وقد أفاد تقرير محلي أثار ضجة في أثيوبيا أن حوالي 15 ألف شخص على الأقل قضوا خلال بناء السد، في حين استغرق بناؤه 14 عاماً، وبلغت تكلفته حوالي 5 مليارات دولار.