الثورة – ابتسام هيفا:
شهدت الأسواق المحلية خلال الأشهر الأخيرة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، شملت المواد الغذائية والأدوية والخدمات الصحية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن وأسلوب معيشته.
في جولة ميدانية لـ”الثورة”، بين الأسر والمتاجر والصيدليات، تبيّن أن الأعباء المالية تتزايد على نحو غير مسبوق، فيما يحاول المواطن التكيّف مع واقع اقتصادي متقلب.
بين الغذاء والدواء
المواطنون الذين التقتهم الصحيفة في أحياء مدينة اللاذقية وجبلة، أشاروا إلى أن متوسط إنفاقهم الشهري على الغذاء، يختلف باختلاف عدد أفراد الأسرة ومستوى الدخل، مؤكدين أنهم في الغالب لا يستطيعون تحديد هذا الإنفاق بدقة، إذ يضطرون أحياناً إلى التقشف في وجباتهم، وقد يلغون وجبة الإفطار أو العشاء لعدم قدرتهم على تغطية تكاليفها.
وأكد آخرون أنّ السلة الغذائية الأسبوعية باتت تقتصر على الخبز والخضار والأرز والسكر وزيت الطعام، موضحين أنّ استهلاك اللحوم والأجبان تراجع بشكل واضح نتيجة تضاعف أسعارها.
وأشاروا إلى أن تكاليف الرعاية الصحية تشكل عبئاً إضافياً، إذ يتراوح متوسط الإنفاق الشهري على الأدوية والمستلزمات الطبية والكشف الطبي بين 300 و400 ألف ليرة، وهو مبلغ يفوق قدرة أصحاب الدخل المحدود.
وفي السياق ذاته، لفت المواطن عدي أسعد إلى أنه يضطر للاعتماد على معونات الجمعيات الخيرية، أو الدعم المحدود من منظمات محلية لمواجهة النفقات التي أرهقت كاهله.
وبين المواطن حيدر ديب أن الغلاء لم يقتصر على مستوى المعيشة فحسب، بل فرض تغييراً في العادات الغذائية والاجتماعية، مشيراً إلى أنّ ارتفاع الأسعار قلّص قدرته على شراء الضروريات، وفرض عليه نمط حياة أكثر تقشفاً، حيث باتت الكماليات غائبة تماماً عن أولويات أسرته.
تحت ضغط التكاليف
من جانب آخر، أجمع بعض أصحاب المحال التجارية على أنّ أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل الزيت والسكر والرز، شهدت ارتفاعاً متكرراً خلال الأشهر الماضية، وأن تقلبات السوق مرتبطة بتغيرات سعر الصرف ورسوم الجمارك.
كذلك أفاد عدد من الباعة أنّ متوسط هامش الربح لا يتجاوز عشرة بالمئة، في حين أن ارتفاع التكلفة عند الاستيراد أو النقل يفرض تعديلاً متواصلاً على أسعار البيع.
كما أكد البعض من التجار أنهم يواجهون صعوبة شديدة في تأمين أنواع معينة من السلع، بسبب نقص الاستيراد وعدم انتظام التوريد.
وفي السياق ذاته، تحدث الصيدلاني ناصر علي عن موجة ارتفاع جديدة في أسعار الأدوية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة، كالضغط والسكري والسرطان، مؤكداً أنّ انقطاع بعض الأصناف المستوردة، يدفع المرضى إلى شراء بدائل محلية بأسعار متفاوتة، ما يزيد الضغط النفسي والمادي على الأسر.
قراءة اقتصادية للأزمة
الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية، الدكتور علي ميا، أكد أنّ الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار، تعود إلى التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية، إضافة إلى الاعتماد الكبير على الاستيراد في قطاعي الغذاء والصحة، مبيناً أنّ المواطن السوري يواجه اليوم تراجعاً في قدرته الشرائية إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، ما يهدد الأمن الغذائي والصحي لشريحة واسعة من السكان.
وأوضح د. ميا أن التضخم يؤدي إلى تآكل الدخل الحقيقي للأسر، إذ تصبح الرواتب عاجزة عن تغطية الحاجات الأساسية. معتبراً أنّ الحلول الممكنة تكمن في تعزيز الإنتاج المحلي للغذاء والدواء، وتوسيع برامج الدعم الاجتماعي الموجهة، مع اعتماد سياسات أكثر مرونة في الاستيراد لوقف النقص واحتواء ارتفاع الأسعار.
يبقى المواطن أمام ضغوط متزايدة بين متطلبات الحياة الأساسية وارتفاع كلفة المعيشة، إذ تتصاعد الصعوبات في تأمين الغذاء والخدمات الصحية، وتزداد الحاجة إلى حلول اقتصادية عاجلة. فالتوازن بين الدخل والاحتياجات أصبح ضرورة للحفاظ على استقرار الأسرة والمجتمع.
أيضاً تتطلب هذه المرحلة خطوات ملموسة تعيد للمواطن القدرة على مواجهة الحياة بالحد المقبول.. وفي غياب هذه الإجراءات، يظل المستقبل محفوفاً بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية.