الثورة اون لاين – أديب مخزوم:
يزاول الفنان سلام أحمد الرسم العفوي يومياً، ليحافظ على تجليات اللمسة اللونية التلقائية والعفوية، في صياغة إيقاعات الشكل التعبيري والرمزي والخيالي أحياناً. ولقد جذبته ولسنوات طويلة مشاهد العناصر الإنسانية والحيوانية والطيور، وأقام أكثر من 12 معرضاً فردياً، إلى جانب معارضه المشتركة .
بين التكثيف والتشفيف:
وهو يذهب إلى لونية متداخلة بحرية وعفوية، مستخدماُ تقنية الزيت والأكريليك على القماش، ويقدم في النهاية لوحة تحمل عفوية لونية وتحريفاً وتحويراً وتبسيطاً للعناصر، تتخطى الرؤية التقليدية، وتؤكد خصوصيتة التشكيلية، التي تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة، لها علاقة مباشرة بثقافة وفنون القرن الماضي والحالي، فاللمسة اللونية السريعة تطل في لوحاته كحركة وجدانية تعكس الصدى اللوني التلقائي لتموجات الحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة، وتحقق رغبته بإضافة الحركة والحيوية في فراغ السطح التصويري أو على وتيرة الألوان المتراكمة فوق بعضها البعض، رغم اتجاهه في لوحات أخرى لإيجاد حالة من التشفيف والتقشف اللوني.
وسلام أحمد من هذا المنطلق يقدم أنموذجاً لفن عفوي يحمل بصمته الخاصة، رغم تنقله بين اللوحة، التي تحمل موضوعاً واحداً، وبين اللوحة التي يولف فيها الأشكال المختلفة والمحورة والمبسطة بطريقة بانورامية ( وهذا ما رأيناه في معرضه بصالة عشتار عام 2010 ) وهو بذلك ينأى كثيراً عن المفهوم العام في إنجاز اللوحة، وهذه ميزة من ميزات العمل بعفوية، تجعل الألوان تتحرك على سطح اللوحة، على شكل مساحات ولمسات وحركات متتابعة ومتداخلة ومتجاورة .
إيقاع المثلثات:
وإذا كانت بعض أعماله اعتمدت على توسيع المساحة وعلى أرضية تشكيلية شبه هندسية ( تحويل رأس الحيوان إلى مايشبه المثلث أحيانا) فإنه استطاع بحساسيته وثقافته البصرية، تشكيل خلفية اللوحة بنسيج لوني تجريدي، يوزع عليه الأشكال المبسطة، بحركات عفوية بعيدة عن الرزانة والحسّ الرياضي والتزييني.
وهذا يعني أنه يعتمد على الحركة الإيقاعية للون، أكثر مما يعتمد على التعبير اللوني الساكن، ففي لوحاته الجديدة والسابقة أيضاً، يقدم تنفيذاً لونياً لا يعتمد على الدراسات المسبقة بقدر ما يعتمد على الإملاء المباشر. أو لنقل على التعبيرية والرمزية الانفعالية .
وأبرز ما يظهر في لوحاته ابتعاده عن التجريد اللاصوري( رغم خلفية اللوحة التجريدية، والتي تتحول أحيانا الى فسحة للطبيعة بحقولها وأشجارها وفسحة السماء . فهو مهما انفعل يبقى على ارتباط بالصورة والواقع، من خلال بحثه الدائم عن ملامحه العامة أو اشاراته المبسطة والمختزلة.
أشكال إنسانية وحيوانية:
وهكذا فهو يستعرض إيقاعات الوجوه والأشكال الحيوانية والطبيعة والبيوت والزهور وغيرها . فمن تبسيطية الشكل واللون، واختصاره أحياناً إلى التلوين الأحادي، والعناصر الخطية المختزلة، إلى الأعمال الأخرى التي تعتمد على غنى اللون وإبراز غنائيته وكثافته، والبحث عن إيقاعاته الموسيقية، بالإضافة إلى تعبيرية وجه الإنسان والحيوان ( الذي يبدو أحياناً وكأنه حيوان أسطوري) إلى أسلوب التلقائية في صياغة الألوان وإبراز عنفها.
ولعل هذه الحرية التي ينطلق منها في صياغة عمله الفني، هي التي أسست لشخصيته الفنية التي تتكرس من معرض إلى آخر، فالحرية هي التي تحقق التميّز، وهي التي تقوده إلى أن يكوّن ذاته وشخصيته. واللوحة هنا تفسر إحساسه وعفويته، فإما أن يكون هادئاً أثناء إنجاز اللوحة فتأتي حسب إحساسه الداخلي ملطفة نوعاً ما، وإما أن يكون عكس ذلك في أخرى، فتأتي ألوانه وخطوطه منفعلة وعنيفة ووحشية.
هكذا شكلت تجربته مجالاً رحباً للتعبير بحرية أكبر، وبغنى لم يكن ممكناً أن يتوفر خارجها، فاللون أصبح أكثر حرارةً وحيويةً وجماليةً، ولهذا نجده يبحث بشكل يومي عن الانسجام بين الحركة واللون، يبحث عن ذلك الجو الغنائي الذي يعتمد كثيراً على حساسيته وحريته في وضع المادة اللونية وفي تشكيل الخطوط والعلاقات المركبة داخل مساحة اللوحة.
فاللوحة التي يرسمها بلمسات عفوية إذا أردنا تحليلها من الناحية التشكيلية، نجدها تشكل مادة غنية تعكس الحالة الداخلية أكثر مما تجنح نحو المثالية في محاكاة سمات الأصل، والشكل الذي يجسده هنا هو الموضوع الحيوي المفتوح على التلقائية والعفوية في التلوين والتكوين معاً،
وهذا يعني أنه لا يتوقف عند حدود معينة في معالجة المادة والمساحة وإنما ينتقل من معالجة إلى أخرى ، وهو بذلك يعمل على إيجاد نوع من الموازنة والمواءمة بين الجانب التعبيري المتمثل بتبسيط الأشكال وإبراز انفعالية وكثافة المادة اللونية.
ذاكرة اللون:
وهو يوزع لمساته اللونية الساطعة في اللوحة أو يضاعفها وينثرها في المساحة بما يضمن حضور الضوء الشرقي، وتسميك العجينة اللونية يجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الحس المباشر الداخلي ، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الجاهزة.
ويمكن القول: إن احتكاك سلام الدائم ونشاطه اليومي ومعارضه المتواصلة ( داخل سورية وخارجها) وسوى ذلك من نشاطات فنية، سمحت له بتقديم مساحات لونية مشغولة بتنوع تقني تحركه دائماً انفعالات متنوعة ترتد في كل مرة نحو الداخل والعمق . والواضح في بعض لوحاته تلك الرغبة البادية في إظهار البريق اللوني، والاهتمام بتقديم الموضوع نفسه على أنه صورة لا تمثيلية للشيء المرسوم . وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالتقشف اللوني، الذي يتحول أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التعبيري البدائي ، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون المنفلت من أي نظام زخرفي أو هندسي أو نمطي .
إن الحرية الأدائية في المظهرين التكويني والتلويني التي تبرز بجلاء في مساحات أعماله السابقة والجديدة تحمل كل المعطيات التي كسبها في حياته الفنية. فحين تختصر اللمسات العفوية العناصر وتحورها، إنما تختصر تداعيات ثقافة بصرية ، أطلقتها عواصم الفن الكبرى ، وتكشف تعبيراً وتنقلنا إلى حالة أكثر عمقاً ودلالة .
وهذا يعني أن لوحاته، تحمل مواصفات البحث عن لغة فنية مرتبطة بهواجسها الثقافية ، لأن اللوحة الحديثة هي ثقافة قبل أي شيء أخر ، قائمة على أساس التمرد والرفض لمجمل الطروحات الصالونية الجاهزة، وبالتالي فهو يقدم نفسه بجرأة واثقة باحثا عن طروحات فنية وثقافية رافضة للنهج النموذجي الأكاديمي، وساعيا لإيجاد ملامح لتنويعات تعبيرية جديدة متطورة من ذاتها ولذاتها، خارج إغراءات السوق الفني الاستهلاكي.