ثورة اون لاين – لميس علي:
في إحدى المرات سألت إحدى الصحف الإسبانية الروائي والكاتب الايطالي أمبرتو إيكو عن مفهوم المثقف فأجاب قائلاً: “أنا لا أعرفه، لأنه مفهوم أبله. إذا كان المرء يشتغل برأسه ويفكّر بطريقة إبداعية فإنه مثقف. فالفلاح الذي يفكر بطريقة جديدة ثورية لمزروعه أيضاً هو مثقف”..
في كلام إيكو شيءٌ من انتشال معنى الثقافة من واجهات أفعال “بريستيج”.. نقلها من صالونات الأوساط المخملية إلى حالة فعل جمالي لا يُحدّد بأطر شكلية..
كيف يمكن نقل الثقافة من حالة التجهم والعبوس التي تحيط بها، إلى جماليات الفعل الحياتي..؟
ما الذي يخلق لنا فضاءات جمالية بتعددات لونية واسعة، أكثر من ممارسة فعل ثقافي، يقبل على تقريبنا أكثر من تفاصيل يومياتنا فيجعلنا قادرين على تلقيها بحدقة عين أوسع وأرحب نحو حب الحياة واقتناص مواطن جاذبيتها أكثر..؟
قبل عشر سنوات تمكّنت بعض النشاطات التي أقامتها مراكز ثقافية، ليست محلية، من الانتقال خارج إطار المكان المغلق، المقولب، والمحصور ضمن هيئته الراسخة، سلفاً، كمكان لفعل ثقافي، إلى أماكن حياتية أكثر رحابة..
نجحت بجرّ “الثقافي” ليغدو “حياتياً” وحتى “يوميا”..
كما في معارض تصوير ضوئي أُقيمت في خان أسعد باشا، على سبيل المثال.
بعض العروض المسرحية كسرت نمطية العلبة الإيطالية واتجهت نحو ضوء النهار والسير في الشارع تحقيقاً لشرط المسرح التفاعلي.
أذكر عروضاً عدة قُدمت في دمشق خرجت نحو “الحياة” بمختلف توصيفات “المكان” المقترح كبديل للخشبة التقليدية.. من ذلك كان عرض قدّمته الممثلة نورا مراد في دهاليز قلعة دمشق. بقينا، أي جمهور/المتلقين، طوال العرض نسير مع الممثلين، لم يستقر العرض إلى مكان ثابت.
وكذلك كان عرض “المهاجران” إخراج د. سامر عمران، قُدم عامي 2008 و2010 ، في ملجأ بأحد أحياء دمشق.. وعرض “العميان” إخراج سامر عمران أيضاً، الذي فضّل اللعب في باحة المعهد العالي للفنون المسرحية على أي مسرح داخل المبنى.. وعروض أخرى كثيرة كانت من هذا النمط.
أصحاب هذه المقترحات الجمالية، الفنية، الثقافية، ابتعدوا عن الأطر الجاهزة بهيئتها التقليدية..
لماذا..؟
لأنهم رغبوا بتقديم “فعل حياة” قبل توصيفه بأي توصيف ثقافي محدد.
هل يمكن بناء فعل ثقافي حقيقي دون حوار..؟
أفضل فنّين يمكن لهما تنشيط وتفعيل حالة الحوار وخلقه، هما المسرح والسينما..
ومتى ما تمّ دعم هذين الفنين، سيؤدي ذلك بالضرورة إلى خلق أشكال غير محدودة من تلاوين قوس قزح الحوار والحياة الخلّاقة، على السواء.
فالاثنان، لا سيما السينما، يغتنيان بتوظيف عدة فنون ضمنهما، وهو ما يرفع بدوره، من الذائقة الجمالية للمتلقي.
عبرهما نغتني جمالياً وبطريقة تلقائية.. وهو ما يرسخ أسس جماليات الفعل الحياتي.. وبالتالي “الثقافي”..
وحين الوصول إلى هذه النقطة، تنتقل الثقافة من كونها أفعال “محنّطة” يتم عرضها في واجهات الأماكن الرسمية، إلى أفعال يومية تُمارس عفو الخاطر متحررة من كليشيهات ذوي الياقات المنشاة.