الأب في الدراما السورية.. تكريم مؤجل في يومه العالمي!

الثورة – حسين روماني:

في المسلسل السوري، لا تكتمل الحكاية من دون “الأب”، ذاك الحاضر الغائب، القاسي الحنون، المستبد الذي يذرف الدموع، أو العادل الذي تكسّرت صورته مع تبدل الأزمنة.

لم يكن الأب في الدراما السورية مجرّد دور تقليدي ضمن “الأسرة النموذجية”، بل تحوّل إلى مرآة صقيلة عكست تحولات المجتمع، وتناقضاته، وتشوّهاته، وحتى أحلامه المكبوتة.

وفي زمن انقلبت فيه الأبوة من سلطة فوقية إلى هشاشة وجودية، أدرك صنّاع الدراما أن الأب ليس شخصية نمطية، بل سردية قائمة بذاتها، مليئة بالصراعات والمفارقات.

أبناء الهامش

مع تصاعد الدراما السورية بعد 2011، وتحوّلها إلى دراما الحرب، تغيّرت صورة الأب مجدداً، لم يعد حارس القيم، بل صار غالباً الضحية أو الغائب أو المهزوم في أعمال مثل “غداً نلتقي” و”الندم”، يظهر الأب كشخصية باهتة، مضطربة، عاجزة عن احتواء الانهيار الأسري والوطني معاً.

برع سلّوم حداد في تقديم هذا الأب المهزوم، الذي يلهث خلف الماضي ويحاول فهم سبب تحوّل أبنائه إلى غرباء في بيته، إذ منح الشاشة شخصية الأب الذي لا يملك أجوبة، والذي يدفع ثمن خيارات لم يتخذها.

كان الحضور الجسدي للشخصية مساوياً تماماً لغيابه العاطفي، في تجسيد نادر لمأساة الأب المعاصر.

بطلٌ لا يحتفل به أحد

ثمة محاولات لإعادة الاعتبار للأب من خارج الثنائية الكلاسيكية (الصلب/العاطفي، القاسي/الحنون)، في أعمال حديثة مثل على قيد الحب، ظهر الأب بصورة أكثر تعقيداً: رجل يتقاطع فيه الحنين مع القلق، الحزم مع الحنو، والتورط مع الرغبة في الفداء، كأن الدراما بدأت تعترف بأن الأب ليس إلهاً منزهاً ولا خصماً أزلياً، بل كائناً بشرياً يشبهنا، يخطئ ويحب ويصمت ويصرخ، مثلما جسّده الراحل “أسامة الروماني”.

في بدايات الدراما الاجتماعية السورية، خصوصاً في تسعينيات القرن العشرين، بدا الأب تجسيداً صارماً للسلطة كما حصل في “أسعد الورّاق”، مع مرور الزمن قدّم الراحل خالد تاجا في “الفصول الأربعة” شخصية الأب بوصفها عماد العائلة وضابط إيقاعها، المنهك في البحث عن مستقبل أفضل لأبنائه وحتى أحفاده، كان خالد تاجا حينها لا يمثل فقط أباً لأسرة درامية، بل تجسيداً لحالة اجتماعية لامست كل أسرة.

أما في أعمال مثل “عيلة 6 نجوم”، فتسلّلت السخرية إلى صورة الأب، لتعيد إنتاجه كرجل عاجز عن فهم متغيرات جيله، أو كصورة كاريكاتورية لسلطة مضحكة ومبكية في آن واحد، كما فعل “حسام تحسين بيك” في أكثر من عمل، مجسداً الأب الذي يحاول مجاراة العصر لكنه دائماً يصل متأخراً.

الدراما الشامية أنموذجاً

في الدراما الشامية، وعلى رأسها “باب الحارة”، تحوّلت صورة الأب إلى أيقونة ذكورية تحمل كل ثقل القيم التقليدية.

هنا، الأب ليس فرداً، بل مؤسسة، كما أداها الفنان عباس النوري عبر “أبو عصام”، أعاد صياغة صورة الأب التقليدي الصارم، المربّي، صاحب القرار الفصل، لكنه في الوقت نفسه بدا هشّاً في لحظات، يحمل جراحاً خفيّة يخفيها تحت عباءته.

لقد لعب النوري على الحافة بين التقديس والتمرد، مقدّماً أباً أقرب إلى الفقيه منه إلى الإنسان العادي.

في المقابل، منح سليم صبري، خصوصاً في “الخوالي”، صورة أكثر ليونة وإنسانية للأب، تجمع بين الحزم والاحتواء.

بدا الأب هنا كجسر بين جيلين، يحمل ذاكرة المكان ويحاول ألّا يكون حجر عثرة في طريق بناته، كما فعل الراحل “وفيق الزعيم” في دور “أبو حاتم”.

من التجسيد إلى التأسيس من الصعب الحديث عن “أبوة” الدراما السورية دون استحضار نجوم كبار تركوا بصمة لا تمحى. خالد تاجا، الذي نُعت بـ”أنطوني كوين العرب”، مثّل عصارة الألم السوري، وكان كل دور له بمثابة إعادة تعريف للهوية الأبوية، “رفيق سبيعي”، من جانبه، قدّم شخصية الأب الشعبي بتناقضاتها وطيبتها وجبروتها، بينما استطاع “أسعد فضة” أن يمنح للأب حضوره المسرحي المهيب حتى في الأعمال التلفزيونية، وغيرهم من الأسماء التي حفرت مكانها في ذاكرة المشاهد كما فعل الراحل عدنان بركات وشخصية الأب الحازم والقاسي في “المحكوم” التي كان خلفها الرأفة والحب لابنه.

ظلّ الأب.. أطول من غيابه

تبدو صورة الأب في الدراما السورية أكثر من مجرد تمثيل لدور أسري، إنها بنية رمزية تتقاطع فيها السياسة، والمجتمع، والبيئة المتدينة والذاكرة، فالأب هنا ليس فقط من أنجب وربّى، بل من شهد انهيار ما ربّاه، ووقف عاجزاً أمام تفكك الرموز، ولعل جماليّة الدراما السورية، في لحظاتها الأكثر صدقاً، أنها لم تبالغ في تمجيد الأب، ولم تتسرع في دفنه، بل تركته معلقاً بين أسطورته الشخصية وواقعه المفكك، وهو ما يجعل من متابعة تحولات هذه الشخصية، ضرورة نقدية لفهم عمق المأساة السورية من داخل البيوت، ومن خلف نظرة أب.

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة