في حضرة التهجير القسري تجدهم وطناً..مركز إيواء الحرجلة.. جدار صامت لحقيقة سورية صاخبة

الثورة أون لاين – غصون سليمان:

في الطريق إلى هناك كان الغيم يغازل الأرض، يهمس لها بحنان واعداً إياها ألا يكون غيثه قاسياً.. إلى هناك كانت المشاعر المختلطة ترسم صوراً افتراضية عن واقع وجغرافية وحياة تجعلك تجول بذاكرتك لتكتب بالعمق حكايا الإنسان السوري الذي مرّ عليه ملايين اللحظات المتعبة والليالي والأيام القاسية صورة افتراضية لتشكيلات من التفكير والتفسير سرعان ما تبدلت وأنت تزور المكان لأول مرة.


في مركز إيواء الحرجلة الذي أقامته الدولة لاستقبال الأسر والعائلات المهجرة من مناطقها وقراها وبلداتها ومدنها وأحيائها نتيجة سطوة العصابات المسلحة وسلالات الإرهابيين من مختلف الأقوام والأجناس.. كان لصمود الأهالي ومقاومتهم العنيدة ضد كل هذا الطغيان المجرم لون آخر من ألوان الحياة السورية التي حفرت على جدار الزمن هوية إنسان منتم لأرض ووطن هبت عليه رياح الغدر وأفعال الحقد وسلوك التوحش.. فما كان منه إلا أن يمسح جبينه المعفر بأشكال البؤس ممتشقاً سيف الحق وأن جولة الباطل لا بد قصيرة.
حين الوقوف على مشارف المركز وأثناء التجوال في مساحته الواسعة يدغدغ مشاعرك شيء من الكبرياء والفخر من أن الحكومة والدولة وفي ظل أقسى الظروف أمنت لأبنائها مساكن إسمنتية مجهزة بكل الضرورات الحياتية من نقطة طبية، مدارس سوق تجاري، ملعب رياضي.. مطبخ كبير لتأمين وجبات الطعام التي تقدر بآلاف الأطنان التي تحضر يومياً خلال سنوات الحرب اللعينة.
أطفال يلعبون في الملعب الترابي، سباق، كرة قدم، وسط المدينة المسكونة بأرواح شغوفة للعودة إلى مسقط الرأس، إلى ذاك الحنين، مرصد الذكريات وعبق الحاضر، وأمل المستقبل.
وسط البيوت مسبقة الصنع كانت وجوه النسوة وأبنائهن وأطفالهن بين حدائق الورد التي تعبت في زراعتها وسقايتها ورعايتها حتى غدت أشجاراً باسقة من الحبق والريحان تطل كمرآة النوافذ حين تباغتها حبال الشمس الدافئة.. تقترب منهم، تصافحهم، تسمع أحاديثهم، معاناتهم، صبرهم.. لتكتشف أنك أمام جبل من الكبرياء، وبحر من العطاء والحب لذاك التراب السوري المقدس.

كان حلمهم جميعاً أن يصل أبطال الجيش العربي السوري إلى مشارف بلداتهم لتفي النساء بالنذور التي أقسمت عليها بما يملكون من أرزاق.. كنا جدار الصد الثاني وهن يقمن بكل ما يقوي عزيمة الشباب والرجال المرابطين على التخوم لرد اعتداءات الإرهابيين المستمرة على بلداتهم وقراهم.

من قلب الألم والأمل

قصص من قلب الوجع والألم والأمل ترويها بعض نساء كفريا والفوعة اللواتي يمثلن كل النساء السوريات الأصيلات المنتميات لتاريخ وحضارة ووطن عزيز اسمه سورية.
مطيعة مصطفى شاقول تلك السيدة البالغة من العمر ٥٣ عاماً من بلدة الفوعة لم تأبه كما أهل بلدتها لسنوات الحصار الخمس الجائرة والتي وصل فيها شراء كيلو القمح الواحد إلى خمس وعشرين ألفاً وكيلو السكر إلى خمسين ألفاً، كانت تخبز وقريناتها ما تيسر من قمح وشعير أو أي نوع من الأرز والمعكرونة ويوصلنه إلى حراس المعابر وسياجها، من الأزواج والأبناء والأقارب والأهل. وتذكر شاقول التي ودعت وفقدت من عائلتها لوحدها ٢٥ شهيداً بينهم خطيب ابنتها،كيف اخترعت النساء مادة البنزين من كراسي النايلون الذي كان يتم وضعه في برميل ويشعل النار تحته حتى درجة الذوبان، وعند إتمام العملية اليدوية يمدد له خراطيم ويعبأ بعبوات بلاستيكية” قناني” لتشغيل الموتورات والدراجات النارية، وسيارات الإسعاف، كان الحصار قاسياً بكل المقاييس، لكننا تحديناه بالصبر والعمل، كنا نلم ثمار الزيتون تقول شاقول ويتم عصره يدوياً من قبل الشباب المقاوم.. نذرت سيدة الفوعة هذه بقراتها الأربع قرابين طعام لمجرد السماع بوصول الجيش إلى المنطقة، مبدية استعدادها حمل السلاح دون خوف وبكل إصرار، إذا ما تطلب الواجب ذلك.. فهي تعتبر كل جندي سوري هو ابنها فعلاً وقولاً في مساحة المودة والاحترام والتقدير لما يقدموه للعائلات المنكوبة.


فيما “كنتها “زوجة ابنها فاطمة حسين وهي أم لخمسة أطفال، ذكرت تلك الأيام المؤلمة، وكيف اجترعوا كل ألوان الصمود والتحدي والتكيف مع يوميات الحصار القسرية المفروضة من قبل الأعداء، حتى الصغار باتوا يعرفون نوع القذائف والأسلحة والمدافع التي كان يستهدف بها الإرهابيون سكان بلدتي كفريا والفوعة، ما بين صاروخ وراجمة وغيرها من التوصيفات، فقدت فاطمة من عائلتها بيت محسن العديد من الشهداء ومصابي الحرب، وما زال أخوها وابنه المخطوفين في حلب منذ العام ٢٠١١، وغيرهم من العائلة لم يعرفوا عنهم أي شيء لغاية اللحظة، لكن الأمل بلقائهم لم يغب برهة عن الوجدان.

الوعي سيد الموقف

فاطمة الديب أسود سيدة أخرى من اللواتي شاركن في الحديث، وخرجت مع الدفعة الأخيرة من الفوعة بعد معاناة مريرة من سقوط الصواريخ والقذائف وقطع المياه والكهرباء ونقص الوقود وقلة المواد الغذائية، ورغم ذلك تشبث الجميع بالأرض السورية الطاهرة، فكانت الفوعة ذاك النبض من الوريد إلى الوريد.

تشير أسود إلى ما تعرضت له من تهديد وقتل هي وأبناؤها من قبل الإرهابيين، حين ترأست وخاضت حملة توعية لما يجري من تشويه للحقائق ونشر الفوضى في بداية الحرب العدوانية على سورية رغم فقدانها لشهيدين من أولادها. فهي مستعدة للعمل وخوض أي معركة يتطلبها الواجب الوطني، فقد زرعت شجرة في حديقة منزلها على أمل أن تراها مثمرة كما تقول وهي تترقب العودة إلى بيتها ودارها بالفوعة بفارغ الصبر.
في حين أوضح الأب محمد عيد من بلدة كفريا التي بقي محاصراً فيها ثلاثة أعوم ونصف، حيث لم يترك الأعداء وسيلة من وسائل القهر والظلم والتعذيب إلا ومارسوها على سكان البلدة ،كما كل المناطق السورية التي تواجدوا فيها.
لكن عزاءهم جميعاً اليوم أنهم موجودون على تراب سورية التي لم تقصر مع جميع أبنائها و معهم في شيء، لذلك تمنى على من هاجر خارج الحدود أن يعود إلى الوطن، فمهما كان وضع الخدمات هنا فهي أفضل من أي مكان آخر حسب رأيه.


جهود كبيرة للدولة
وبشكل عام فقد أكد العديد ممن التقيناهم في مركز إيواء الحرجلة على أن القائمين عليه لم يقصروا في تأمين ما يحتاجونه من غذاء وكساء ودواء.. والأهم بنظرهم هو المعاملة الحسنة والاحترام والتقدير، لكن عينهم ترصد وقلبهم يهفو إلى طريق العودة إلى أرضهم مسقط رأسهم.
وفي لقاء مع المهندس عبد الرحمن الخطيب المسؤول عن مراكز الإيواء وعضو مجلس الشعب أشار إلى أن الحكومة السورية قامت بتأمين مراكز الإيواء بما يليق بالسوريين الذين هجروا من مناطقهم بالمئات والآلاف ليجدوا لهم مكاناً يهدأ من روعهم ويخفف من معاناتهم بعدما عاث الإرهابيون قتلاً، وتخريباً ودماراً، لافتاً أنه إلى جانب استقبال المئات من السوريين المهجرين من المناطق والمحافظات تم استقبال الكثير من السوريين العائدين من الخارج أيضاً والذين ليس لديهم منازل للسكن فتم استيعابهم في المراكز المؤقتة.
وبين أن عدد الكتل الاسمنتية بكامل مراكز الإيواء تصل ل ٧٢٤ شقة، مع تأمين كامل الخدمات من صحية وترفيهية وخدمية وتوفير الماء والكهرباء على مدار ال٢٤ ساعة.
لعلها تفاصيل كثيرة وروايات تفوق حد الوصف لأبناء سورية الذين تجذروا بأرضهم على امتداد جغرافية الوطن، حقيقة عشناها على أرض الواقع فكانت الأصدق والأنقى على لسان من رفض المساومة على اسم الوطن وعشق التراب المقدس.

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق