الثورة أون لاين _ ملك خدام:
عندما يختل ميزان القوى العاملة والأجور ، لن تستغرب أن ترى طلاب الطب يعملون في مرآب المحافظة ، أو المطابع كعمال “عتالة” .
كما لن تندهش من مصادفة مدير مدرسة يعمل في ساعة متأخرة من الليل ” سائق تكسي ” .
لا ولن تستهجن منظر ذلك المهندس القابع خلف صندوق المحاسبة في متجر حلويات و سكاكر ..
الأغرب من هذا وذاك أن يتهافت بعض أصحاب الشهادات الرفيعة على العمل في مقاه ، ومطاعم الخمس نجوم طمعاً بالبقشيش الذي يدعم أجرهم بما يتفوق على أجر الوظيفة الحكومية بأشواط .
حين تسأل هؤلاء بفضول :
ما الذي حدا بهم إلى هذا الخيار ؟!
لاجتمعوا على كلمة سواء بينهم ” بدنا نعيش” ..
فلا يختلف اثنان اليوم على تحول رواتب الموظفين أمام موجات هذا الغلاء الفاحش إلى صدقة لاتغني ولا تسمن من جوع .
رغم ذلك لاتجد من يفرط بعمله الحكومي كموظف في الدولة ، لأنهم في العموم متفقون على أن ساقية جارية خير من نهر مقطوع خاصة إذا كانت هذه الساقية تتغذى في المفاصل الحساسة كالمالية والعقارية على الإكراميات والرشاوى .
فما من أحد من هؤلاء ينكر أهمية الراتب التقاعدي ، ولاينال من شأن الضمان الصحي ، وتعويض طبيعة العمل ، وصرف تكاليف الإصابة في العمل ، وتعويضات الوفاة ، وهذه مزايا قلما تتوفر في العمل بغير القطاع الحكومي .
رغم كل هذه المزايا يبقى من وجهة نظر أولئك للعمل في القطاع الخاص نكهة تختلف من حيث الأجر ، مايفتح الباب واسعاً لتسرب القوى العاملة مابين العام والخاص في منافسة غير متكافئة من حيث إغراء الأجر الأعلى .
فعلى سبيل المثال لا الحصر :
تتفاوت قيمة تعويض الاستكتاب الاعلامي مابين العامل في صحيفة حكومية عنه في التلفزيون والإذاعة في مفارقة واضحة وكلاهما قطاع عام ، كما يختلف الأجر مابين المطبوعات الخاصة والعامة ، وقناة فضائية وأخرى ، كما يختلف الأجر بين استكتاب داخلي وخارجي ، عندما يصنف كتاب الرأي وأصحاب الأقلام المسيسة في ذروة الأجر الأعلى !!
وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟!!!…
بالمختصر المفيد نحن أمام عطالة مقنعة لشهادات تأهيل عال رفيع المستوى تأطرت في ” برواظ ” على جدار ميت لاروح فيه ، أو ركنت بإهمال وجمود على الرف ، ماينم عن خلل واضح في ميزان الاستثمار الأمثل للقوى العاملة ، في تخبط بين في ميزان الأجور ليس على نطاق الداخل وإنما يمتد للخارج إذ يختلف الأجر في بعض البلدان حسب جنسية العامل الوافد .
خلاصة القول :
إن العمل والأجر كفتا ميزان قلما يستويان في سوق العرض والطلب ،
مايقتضي إعادة النظر في واقع الأجور والمكافآت والحوافز ، لاسيما عند أصحاب الشهادات والخبرات الرفيعة ،
ووضع خطة إسعافية تعيد الألق والكرامة لهؤلاء ، وإعادتهم إلى مواقعهم البناءة في السياق الصحيح.