الثورة أون لاين – دينا الحمد:
عالم اليوم أشبه بمحيط هائج، أمواجه العاتية تضرب بكل الاتجاهات، والغرب الاستعماري، الذي يتوسط جزره، يحاول أن يقتلع جزرنا ومجتمعاتنا من جذورها بواسطة أمواجه الهائجة ورياحه العاتية، ويحاول أن يستبدل ثقافاتنا الوطنية الأصيلة بثقافته وقيمه الاستهلاكية الرخيصة، فما السبيل لتحقيق الأمن والأمان في مجتمعاتنا الشرقية المستهدفة؟ وما العوامل التي علينا صنعها وترسيخها كي تنعم شعوبنا بالاستقرار الذي تنشده وتتطلع إليه؟!.
في الإجابة المختصرة نجد أن عوامل الأمان المطلوبة التي علينا بناؤها كثيرة، وقد أشار إليها السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته الأخيرة في جامع العثمان، والتي لا غنى عنها لأي مجتمع يواجه رياح العدوان والإرهاب والتغريب والتسلط والعدوان، ففي هذا المحيط الهائج – كما قال سيادته – نرى سفناً ونرى مراكب ترتفع تعلو وتهبط، البعض منها يهتز بهدوء والبعض يترنح والبعض قد غرق، وما يحدد الفارق وما يحدد قدرة هذه المراكب على مواجهة الأمواج هو عوامل الأمان والاستقرار التي تمتلكها تلك المراكب، وهذا هو حالنا كمجتمع، لو لم نكن نمتلك هذه العوامل لكنا غرقنا منذ الأسابيع الأولى، وبالوقت نفسه لو كنا قد قمنا بصون هذه العوامل والحفاظ عليها بشكل جيد لما دفعنا ذلك الثمن الغالي اليوم.
بهذه الرؤية العميقة التي أكدها الرئيس الأسد نواجه رياح الغرب الاستعماري، وخططه المشبوهة، وأجنداته التدميرية، ونواجه احتلال القوى الطامعة، وتنظيماتها الإرهابية المتطرفة، وفي تفاصيل عوامل الأمان تلك لا بد أولاً من التوقف ملياً عند التمسك بعقيدتنا الوسطية المتنورة وفكرنا الحضاري الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، لأن أمواج القوى الاستعمارية مستمرة ولا تتوقف عن ضرب تلك العقائد وضرب بنية مجتمعاتنا الفكرية ورموزها.
ولا بد ثانياً من الانطلاق من الأسرة لأنها الوحدة الأصغر في مجتمعاتنا الشرقية، وليس الفرد كما تحاول الليبرالية الحديثة تسويقه، فالأسرة هي الحاملة للعادات والتقاليد والثقافة وكل ما يمثل الانتماء والهوية الوطنية والقومية، ومن هنا فإن تحصينها وبناءها بناءً سليماً سيحقق أحد عوامل الأمان لمجتمعاتنا، لأن أمانها يعني أمان المجتمع، ومن هنا ندرك كيف حاولت القوى الاستعمارية التركيز على تفكيك الخلية الأولى في مجتمعاتنا وحاولت أن تشظي أفكارها وانتماءها، فهاجمت ثقافاتها، وحاولت أن تجعلها تعتنق كل فكر ليبرالي حديث يؤدي إلى الإيمان بثقافة الاستهلاك والإرهاب والتطرف، ويوصل أفرادها إلى الانحلال الأخلاقي.
بل وحاولت تلك القوى الدخول إلى تفاصيل حياة الأسرة وبحثت عن كل ثغراتها لتتسلل منها وتفرض أجنداتها الشيطانية عليها، واستخدمت لتحقيق مآربها تلك شعارات مزيفة قلبت من خلالها المفاهيم والقيم والأخلاق، وبثت مصطلحات غريبة عن فكرنا أوصلت البعض إلى مستنقع التطرف والإرهاب، وهذا الإرهاب لم ينتج عن هذه الأسباب فقط وإنما شكلت عمليات التدجين الغربية التي بثت رسائل إعلامية مزيفة عاملاً مساعداً لضرب الأسرة وإنتاج التنظيمات المتطرفة.
إذاً ركزت قوى العدوان الطامعة على تدمير عاداتنا الحميدة وتقاليدنا الأصيلة وعقائد شعوبنا السمحة والوسطية لتفكيك منظومتنا الاجتماعية من الداخل، وجعل كل فرد منفصلاً عن الآخر، تارة عن أسرته، وتارة عن مجتمعه، وأخيراً عن بيئته ومحيطه، تمهيداً للانفصال عن دينه ووطنه، لإحداث الانقلاب الاجتماعي والوطني المطلوب، ومن هنا علينا الحفاظ على كل شيء حاولت تلك القوى نسفه والبناء على كل ما يحمي مجتمعاتنا ويصونها من شرور رياحهم العاتية وأمواجهم الهائجة.