الملحق الثقافي:د. مجدي صالح :
يكفي عولمة الفوضى، واحد بالمائة من تعداد السكان، ليكون الجحيم الذي يمتد لعقودٍ، والذي وإن أسموه ربيعاً، إلا أن المحتوى دمار وهلاك وموت ووديان نار، تلتفُّ حول كل جسدٍ، يرفض ما جاء به الأشرار إلى أوطاننا.
المحتوى تجويع وتشريدٌ وذبحٌ وتكفير وتفجير، وإن عشق الضحية الحياة، فمن يقنع الفأس بأن الشجرة أمها؟!.
يكفي الخراب واحد بالمائة، من مغيِّبي العقل ومحدودي التفكير، لتنهال على الملايين سياطُ رياح الشمس الحارقة، ولسعات الشياطين، وفتاوى الجهّال والمتعصّبين.
تكفي عولمة الخراب، واحد بالمائة من السطحيين، ليُحشر شعباً بأكمله في مقبرة واحدة مستعملة، ولتُمدّ الرقاب جميعها تحت حدِّ مقصلةٍ واحدة، ولترتمي الأجساد في مراجل النار.
إنه الخراب المغلَّف بما سمِّي ربيعاً، وهو ليس في حقيقة الأمر، إلا ظلاماً سياسياً قذراً، غزى أوطاننا مع حرفيَّة القتلِ بكل أنواع الجريمة المبرَّرة، من السحل والسلخ والذبح، حتى أكل لحوم البشر.
تدمعُ أوطاننا ولنا ملايين الضحايا، من شهداءٍ وجرحى ومشردين وجياع، فكيف يرى السطحي نفسه، بعد أن مرّت سنوات على خلعه لقميصه، وإضرام النار به، ورميه وهو يحترق إلى حقل القمح؟!.
كيف يرى نفسه، عندما يقف أمامها ويرى وجهه المسلوق، وعيناه المدفونتان في خديه؟! .. وبماذا يحدث نفسه، بعد أن قام بهدم بيوت الأبرياء، وتشريد الآباءِ والأمهاتِ والأطفال؟.
العولمة.. بكل أنواعها السلبية، هي ذاك الموت القادم من عالم الغموض، هي وسيلة ليمزق المرء نفسه مثلما العالم، دون تفكير أو وعي أو حتى أخلاق.. هي عملية نصبٍ كبرى بدون حدود، في زمن المعلومات المجمّعة التي تسبب ضعف الذاكرة الوطنية، والعمل على محوها واستبدالها بذاكرة قصيرة الأمد، محصورة بعوالمِ التدمير والتخريب، وتجديد وتحديث برامج الفوضى التي تتمُّ ضمن جدران مربع الذاكرة القصيرة.
هي عملية رقمية، تمرُّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعالم الفضائيات المؤثرة، عمليةٌ تعمل وفق أصوات وأوتار حساسة، تفضي إلى محوِ التاريخ وتفسّخ المجتمع، وفكّ أواصر الإخاء في إطار الأسرة الواحدة.
هذه الحرب الافتراضية، التي اعتمدت ساحتها أوطاننا حصراً، هي هجوم مدروسٌ، ويقوم على نظرياتٍ تستهدف الجميع، فالكلُّ ضحاياها دون استثناء، وما حراك الغبي بمعولهِ لتحطيم الفخار، إلا توضيحاً للموضَّح، وبأن حروب المستقبل ساحتها العقول، وقد تمَّ عمل تجارب حول نجاعة ذلك في أوطاننا، لذا، وجب علينا التنويه والتنبيه، لخطورة التكنولوجيا، ولضرورة إنشاء المضاد لها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، كنّا نرى قرون الرأسمالية، واليوم ظهر رأس هذا المخلوق الذي وجدناه غريباً جداً، بعد فوات الأوان، فالعالم يستيقظ يومياً، على كوارث مالية وانهيار دول، وحركات فوضى عاصفة.
نحن نعاني من أكبر عملية نصب في التاريخ، حيث تشترى دول بأوراقٍ لا جذور ولا أصل لها، يُشترى كلُّ شيءٍ، من ذممٍ وأراضٍ وذهب، يدخل الرأسماليون إلى بلدٍ ما، ويشترون الخيرات بأوراقهم، ويُفلسون الدول والجميع يظن أنهم يدعمون الاقتصاد، ويفرح الناس بالكسبِ وزيادة أرقام الأرصدة البنكية، ويستفيق الجميع على وهم بلا قيمة.
الزلزال قادم لا محالة، إنها القيامة.. سقوط العالم في شرِّ أعمال المشعوذين الاقتصاديين، ومغامرات السياسيين.. إنه يوم الفضيحة الكبرى التي لن يشهد العالم مثلها، حيث سيسقط الاقتصاد العالمي المعولم، دون رؤية مستقبلية وبلا أسس علمية تحفظ للبشر وجودهم ولقمة عيشهم، المليارات من البشر يعملون، والقليل ممن يديرون الأيادي الخفية يحصدون.
يا ترى، ماذا بعد السقوط؟!. من هو الناجي الوحيد من المجزرة الاقتصادية؟!. وحده من يزرع أرضه، ومن يملك قراره.. وحده من يحصّن نفسه من أيِّ اختراقٍ، أو حتى ذبذبات قادمه من وراء الشمس.. إذاً، على الجميع الاستعداد ليوم المصيبة والعمل على التنمية الزراعية المستدامة، والتعامل مع تكنولوجيا المال بحذرٍ شديد.. على الجميع تنمية المهارات الاقتصادية الصغيرة، والإنتاج الفردي وتعزيز الوعي، وتحديث الذاكرة الوطنية والتاريخية بشكل مستمر.
نعم.. إنه ما ينجينا من المجزرة الاقتصادية الكبرى، وعلى النبيه خلق عقول نظيفة، لا تتأثر بالعواصفِ، وتعمل بكل طاقتها، وعلى كلِّ اتجاه، في التفكير العلمي المنتج للأفكار الدفاعية، فالحروب المستقبلية ساحتها العقول، والضحية يؤكل من جسده دون رحمة.
كاتب وروائي يمني
التاريخ: الثلاثاء9-2-2021
رقم العدد :1032