الملحق الثقافي:د. مازن سليم خضور:
التحكم بالعقل هو السيطرة الناجحة، بأفكارِ وأفعالِ شخصٍ آخر بدون إرادته، ويعني المصطلح، تخلي الضحية “المتلقي” عن بعض معتقداته الأساسية، سياسية كانت أم اجتماعية أو حتى دينية، والإيحاء إليه ليعتنق أموراً متناقضة.
البعض يعتبر، أن التحكم بالعقل هو استخدام أساليبِ تعديل السلوك لتغيير سلوك شخصٍ ما، سواء بالانضباط أو الإيحاء، ويرى آخرون بأن المتحكِّم هو الإعلانات، لاسيما التي تتمثل بالإثارة والإغراء، وهي من أهم وسائل التحكم بالعقل.. أيضاً، هناك من يعتبر أن المخدرات هي وسيلة من وسائل التحكم بالعقل، في حين يرى البعض أن القائد الميداني، سواء لدى العسكر أو الرياضة، أو أي مكان عند استخدام صيغة الأمر، أو التصغير أو حتى العقاب النفسي أو الجسدي، يؤدي إلى كسر الشخصية، وبالتالي للوصول إلى التحكم بعقل المأمور، حتى أن البعض اعتقد، أن التحكم بالعقل يتم من خلال القادة الدينيين أو الروحيين، وهو ما جعلنا نسمع بمتلازمة “ستوكهولم”، ويعتبر الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة “نيلز بيجيروت”، أول من صاغ هذا المصطلح الذي تمَّ ربطه بما حدث لـ “باتي هيرست”، وهي ابنة أحد الأثرياء من كاليفورنيا، كان قد اختطفها بعض المسلحين “الثوريين” عام 1974، لتبدي تعاطفاً مع مختطفيها، وتشاركهم في إحدى عمليات السطو، ولتكون النهاية، إلقاء القبض عليها، والحكم عليها بالسجن.
هناك أيضاً، من استخدم مصطلح التحكم بالعقل، باستخدام أسـلحة الليـزر أو مشعّات الخواص، أو مولِّدات النبض الكهرومغنـاطيسي غير النوويـة، أو بواعث الموجات الدقيقة عالية الطاقة.
حتماً، وأمام هذا الاستخدام الفضفاض لهذا المصطلح، علينا توضيح هذا المصطلح، الذي احتلَّ حيزاً من اهتمام قادة الرأي العام والسياسيين والعلماء وغيرهم، وامتدَّ هذا الأثر حاملاً معه دلالات ومفاهيم كثيرة.
السيطرة على العقل تتم بوسائل وأساليب كثيرة جداً، منها التلفاز والانترنت والمجلات والصحف، تستخدم هذه الأدوات أسلوب الإقناع لجعل الشخص يصدقهم أو يؤيدهم.
يقول البعض، أنه إذا أردت التحكم في شخص، عليك التحكم بعقله، فهو أخطر جزء في جسم الإنسان، وهو مركز الفكر والتحكم بالجسد وبالتالي، الأفعال التي يقوم بها هذا الشخص هي ترجمة وانعكاس لأوامر العقل.
البعض من علماء النفس، تحدث عن العقل الباطن بأنه لؤلؤة مدفونة داخل النفس البشرية، وهي تحتاج إلى من يكتشفها، حتى إن الفيلسوف “سقراط” طالب الإنسان بمعرفة ذاته، عبر الغوص إلى أعماق نفسه البشرية، لكن هناك من يحاول أن يكوِّن هذه الذات، عن طريق التحكم بالبعض، من خلال السيطرة على عقولهم.
التحكم بالعقل، بمثابة المعنى الحقيقي للسيطرة على طبيعة الأفكار التي تدخل عقل الشخص وعقل الآخرين، وهنا يجب على الشخص أن يكون هو من يتحكم بعقله وذاته، من خلال بعض التمارين والأنشطة التي تمكنه من التحكم بذاته، ومن هذه التمارين والأنشطة: تغذية العقل بالأفكار والنقاش الدائم، بالإضافة إلى ممارسة التأمل وإشغال العقل بالتخيل.
نشر موقع “شاغ كزداروفيو” الروسي، تقريراً أكد من خلاله، بأن الإنسان قادر على تحرير عقله، وتوضيح أفكاره، وإدارة عواطفه، حسب طرق بسيطة.
وقال الموقع في تقريره، إن عملية تحرير العقل ليست سهلة، فهو ليس علبة يمكن تفريغها وتعبئتها كما نشاء، في المقابل، يجب إيلاء أهمية خاصة للأشياء التي تنتهك العالم الداخلي للفرد، وتحرمه من توازنه العاطفي، وقدرته على التركيز في كل ما هو مهم، عن طريق بعث المشاعر السلبية.
كلّ هذا، بالإضافة إلى اكتشاف شركة “نيورالينك”، المتخصصة في علوم الأعصاب، للشريحة الإلكترونية التي زرعت في دماغ خنزير، للتحكم في عدد من الوظائف والأمراض.
هذا كلّه، فتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات: ما مدى واقعية هذا العمل؟.. ما مدى أخلاقية هذه التجارب في حال نجحت؟..
هناك من أشار إلى أن هدف الشريحة، المساعدة على علاج أمراض دماغية وعصبية مثل الزهايمر، والشلل الرعاشي، وإصابات النخاع الشوكي، عبر تعويض التالف من خلايا مخ الإنسان، وهناك من رأى أنه أمر له أبعاد خطيرة، رغم تغليفه بذرائع الطب والعلاج، وبأن الهدف منه، تحويل البشر إلى روبوتات، فيما أشار البعض إلى أن الحديث عن قدرة شرائح إلكترونية، تزرع في الدماغ، على التحكم ببعض المراكز العصبية، أمرٌ أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الحقيقة.
يقول “تشارلز إيه دانا” أنه يجب على المرء الدفاع عن آرائه، ولكن يجب ألا يعتقد أن أفكاره تحتوي على كلِّ الحقيقة، أو أنها الحقيقة الوحيدة، وبالتالي الثقة هي رفيقة النجاح.
إن الانفتاح على الأفكار الجديدة أثناء البحث عن حل لمشكلة ما، يُعدُّ جوهر التعلم الحقيقي وبناء الثقة، وبالتالي يجب تنظيم الأفكار الجديدة والابتكارية، ومن الحكمة الحصول على إسهامات الأشخاص المحيطين، والاستفادة من إنجازاتهم وخبراتهم مع ما يتناسب مع رؤية الشخص وأفكاره.
إن امتلاك الأفكار والعمل الجاد، بالإضافة للعلاقات، يعطي قدرة على الاختيار والاعتقاد الصحيح، وبالتالي يمتلك الشخص القدرة والشجاعة في اتخاذ قرار صحيح، فالشجاعة ليست عدم الخوف فقط، وإنما خوض غمار لحظات الشك للوصول إلى الهدف المنشود.
فالوعي بالأمور المحيطة بالفرد، والإدراك أن الطريق الذي يسير عليه هو الطريق الصحيح، سوف يساعد على تجاوز المشاكل المهنية والشخصية، وبالتالي يُشعر الشخص بالتمكن والقدرة على التفكير، وعدم فتح المجال للآخرين بالتحكم، سواء من حيث الأفكار أو الآراء، وكما يقول “ويليام سكولافينو” إن قمة إنجازاتك سوف تعكس عمق معتقداتك.
فالأشخاص يصبحون مميزين، عندما يبدؤون الاعتقاد أن بإمكانهم إنجاز الأمور، وعندما يثقون في أنفسهم ويملكون أسرار النجاح.
حتى في الجانب الروحي، عندما نفكر في قادة التنوير من زعماء روحيين وغيرهم، يجب علينا تقبُّل أقوالهم ولكن بعقل وتفكير، وعدم الانجرار وراء الأفكار بدون عقل أو وعي.
التاريخ: الثلاثاء9-2-2021
رقم العدد :1032