أول الكلام .. بين التقليدِ والإبداع

 الملحق الثقافي: هفاف ميهوب :

لا يوجدُ تعريفٌ جامعٌ للمثقف، ولا للثقافة.. فالتعاريف ماهي إلا توصيفٌ جزئيّ وآنيّ، تتبدّل وفقاُ للزمان والمكان، وعليه تأخذ الثقافة معاني تبعاً لأفكار المثقفين، والأفكار السائدة التي تشكِّل المنظومة الفكرية للمجتمع، فالمجتمع المغلق غير المجتمع المفتوح، ولكلِّ منهما مثقفوه.
وقد تختلف الثقافة بين شارعٍ وآخر، وقد تكون متباينة، وربما متصارعة، حتى ولو كانت خاملة، فكلمة واحدة تشعل فتيل الخلاف، ويصبح كلّ من يُطلق عليه مثقفاً، فريسة التخندق والعصبية للثقافة التي ينتمي إليها، فللجهلِ ثقافة وللعلمِ ثقافة، وللتطوِّر ثقافة، كما للظلمة ثقافة، وللنورِ ثقافة، وللخير ثقافة، وللشرِّ ثقافة، والكلُّ في أفلاكِ تلك المفاهيم مثقفون.
فمن هو المثقف؟!!.
لم نسأل هذا السؤال لنقدّم جواباً، فلا جواب شافياً، فهذا النوع من الأسئلة يقعُ تحت مسمّى «الأسئلة الأبدية»، فللتقليد ثقافته ومثقفوه، وللإبداع ثقافته ومثقفوه، والتمايز بينهما ليس صعباً، لكن إقناع أحدهما بصوابيةِ الآخر، هو المستحيل عينه، خاصةً في المجتمعات غير المُنتجة فكرياً وعلمياً.
حين يُعلن المثقف التقليدي أن ثقافته هي منبعُ العلم والعلماء، نجد المثقف المبدع على النقيضِ تماماً، فالأول يسمّي الثاني ضالاً، ويتَّهمه باستخدام البدعِ لسرقة عُرى العلمِ والحقيقة منه، والثاني يسمّي الأول متخلِّفاً، يسعى للكسب والسيطرة على فقراءِ العقلِ، لتحقيقِ مكاسب سياسية ومادية، تضيق وتتَّسع، وفقاً لاتِّساع الأجندة التي منها ما يصلُ حدِّ خدمة العدو، وهذا أبشع ما يمكن أن يصدر عن المثقف التقليدي.
من السهلِ جداً، قيادة هذا النوع من المثقفين، سلباً أم إيجاباً، أما المثقف المبدع، وعلى قلّة حضوره وتواجده الاجتماعي، فهو نادرُ الوجود، وهو الأقدرُ على تقديم رؤى وطنية سياسياً، ورؤى تنموية فكرية اجتماعياً، والجميع يحاربه وهو أمرٌ طبيعي، فالإبداعُ يشكِّل خطراً على مكاسب التقليديين والمقلِّدين، على حدٍّ سواء.
المقلّد تراهُ يتصدّى للبحثِ عما وراء الطبيعة، أما المبدعُ فيبحث عن ذاته في الطبيعة، يهتمُّ المقلّد بالتكرار حدّ الخواء، ويهتم المبدعُ بالتجديد حدّ الإطلاق، لإشباع الفكر وجعله يتماشى مع العصر ومتطلباته الذهنية.
بين التقليدِ والإبداع، ثمّة هوّة يستحيل ردمها دون منظومةٍ فكرية، تربّي الجيل الصاعد على قيمِ ثقافة الإنسان، فاعلاً لا منفعلاً، مُجدِّداً لا مُقلِّداً، وعليه تتَّسع الرؤى باتِّساعِ بقعة الضوء.

mayhoubh@gmail.com

التاريخ: الثلاثاء9-2-2021

رقم العدد :1032

 

آخر الأخبار
تعاون مرتقب بين "صناعة دمشق" ومنظمة المعونة الفنلندية  "التربية والتعليم" تعزز حضورها الميداني باجتماع موسع في إدلب 80 فناناً وفنانة في مبادرة "السلم الأهلي لأجل وطن"  خسائر بأكثر من سبعة ملايين دولار بسبب فساد في القطاع العام     ترامب يحذر الشرع من إسرائيل:  هل بقيت العقبة الوحيدة أمام سوريا؟   تنفيذ طرق في ريف حلب ب 7 مليارات ليرة  الكهرباء تكتب فصلاً جديداً في ريف دمشق.. واقع يتحسن وآمال تكبر السكك الحديدية السورية.. شريان التنمية في مرحلة الإعمار  بمشاركة سوريّة.. الملك سلمان يتحدث في مؤتمر "من مكة إلى العالم" جودة الخبز ورفع الجاهزية على طاولة التجارة الداخلية  "مهرجان تسوّق حلب".. عودة الألق لسوق الإنتاج الصناعي والزراعي  بعد تخفيف القيود على التكنولوجيا.. سوريا أمام اختبار البنى التحتية شبكات متهالكة وموارد ناضبة.. أزمة المياه تطرق أبواب دمشق بقوة  خطط وقائية واستجابة سريعة للدفاع المدني باللاذقية التحول الكبير في سوريا.. ماذا بعد زيارة الشرع التاريخية لـ "البيت الأبيض"؟ "تغيير العملة".. قرار استراتيجي يتقاطع مع الإصلاحات الاقتصادية كيف باتت سوريا تمارس دورها الدبلوماسي بحرية كاملة في أميركا؟ من فتح القنوات إلى تقليص الفساد... خطوات للاستفادة من تعليق قيصر نجاح العملة السورية الجديدة مرهون بالحوكمة والشفافية مالية دمشق تحت المجهر.. شبكة فساد أم حملة تطهير؟