الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
يحاول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الظهور بمظهر مختلف عن دونالد ترامب وإقناع العالم بأن السياسة التي سينتهجها خلال السنوات الأربع القادمة ستحدث قطيعة كاملة مع سياسة سلفه الجمهوري المثيرة للجدل، ولكن حتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على توليه مقاليد السلطة في البيت الأبيض لم يشعر أحد – وخاصة أبناء منطقتنا – بأن سياسته ستختلف كثيراً في أهم الملفات الساخنة التي تشغل الجميع، ولا سيما ملف الحرب على سورية والوجود الأميركي غير الشرعي في شمال شرق سورية، وملف القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني موضوع السلام، والاتفاق النووي مع إيران الذي انسحبت منه إدارة ترامب، ويعود ذلك بكل تأكيد لوجود علاقة إسرائيلية مباشرة بهذه الملفات، ووقوف الكيان الصهيوني وداعميه داخل الولايات المتحدة في وجه أي تغيير للسياسة الأميركية بما يخص هذه الملفات.
التحليل الدقيق لقرارات الأيام الأولى من حكم بايدن يدفع باتجاه وصف الدور الأميركي القادم بأنه مجرد إدارة للأزمات أكثر من كونه بحثاً عن حلول لها، وفي أحسن الأحوال هو سعي للوصول إلى أنصاف حلول أو حلول جزئية تبقي الخلافات موجودة ومرشحة للتفاقم حسب الظروف وحسب المصلحة، ومن نافل القول أن لا مصلحة للكيان الصهيوني البتة في الوصول إلى حلول لأي أزمة من أزمات المنطقة إلا بشروطه وبما يحقق مصالحه، وليس أدل على ذلك من خطوات التطبيع التي أعطت للكيان الصهيوني علاقات طبيعية كاملة مع عدد من الدول العربية دون أن يقدّم الكيان نفسه أي التزام أو يُقدِم على أي تنازل في ما يخص الحقوق العربية وخاصة الحقوق الفلسطينية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بل على العكس تماماً، فقد شهدت الأسابيع الماضية نزعة تطرف وعدوان تجاه سورية والفلسطينيين من قبل الكيان المجرم، تعكس وتترجم جموحه نحو التصعيد والحرب أكثر من ميله نحو “السلام” الذي يتبجح به حكامه، وأما قول الإدارة الأميركية الجديدة بأنها لا ترى حلاً للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى من خلال “حل الدولتين” فهو كلام لا معنى له طالما أن الضفة الغربية والقدس محتلتان والاستيطان مستمر على قدم وساق، ولا أمل بأن تقوم هذه الإدارة بأي ضغط على الصهاينة لكي ينسحبوا من الأراضي المحتلة أو يوقفوا انتهاكاتهم اليومية للحقوق الفلسطينية.
أما في ملف الاتفاق النووي مع إيران الذي صرح بايدن خلال حملته الانتخابية بأنه ينوي العودة إليه، فليس هناك ما يرجح عودة أميركية سريعة للاتفاق، وإنما فتح باب التفاوض مجدداً حول قضايا أخرى مثل الصواريخ الإيرانية والدور الإيراني المزعوم في المنطقة وربط هذه القضايا بالمسألة النووية وهو ما ترفضه إيران جملة وتفصيلاً، وفي الأيام الأخيرة سمعنا مطالب أميركية لإيران بأن تعود لالتزاماتها بالاتفاق ولم نسمع التزاماً أميركياً برفع العقوبات القاسية عنها، رغم أن واشنطن هي من انسحبت من الاتفاق وهي التي قامت بالتصعيد ضد إيران وليس العكس.
وبخصوص الحرب الإرهابية على سورية والوجود الأميركي غير الشرعي في الجزيرة السورية وموضوع الحصار والإجراءات القسرية المطبقين على الشعب السوري تحت عنوان “قانون قيصر”، لم يصدر سوى تصريحات أميركية لا معنى لها حول إنهاء البنتاغون “لحمايته” المزعومة لحقول النفط السورية، في الوقت الذي تستمر فيه قوات الاحتلال الأميركية يومياً بسرقة ما تنتجه هذه الحقول وتهربه نحو العراق في لصوصية مفضوحة مخالفة للقانون الدولي، كما لم نسمع عن أي موعد أو جدول زمني لانسحاب تلك القوات من الأراضي السورية التي احتلتها، ما يعني أن الأمر يخضع لاعتبارات لا تبتعد عن أولويات ومصالح خاصة بالصهاينة والأتراك وربما بمليشيا “قسد” الانفصالية، حيث تبدو مصالح هذه الأطراف الثلاثة متقاطعة حول إبقاء الأوضاع في سورية متأزمة بشكل مستمر لتحقيق بعض المكاسب والأطماع الخاصة.
أما ما يتعلق بموضوع الجولان السوري المحتل فقد أبقى وزير الخارجية الأميركي الجديد أنطوني بلينكن الوضع حوله رهناً بالظروف، معتبراً أن الجولان المحتل له أهمية حقيقية لما سماه أمن “إسرائيل” في الوقت الحالي وأن الأسئلة القانونية شيء آخر، وقد سبق أن قال مستشارون لبايدن إنه لن يسحب اعتراف بلاده “بالسيادة” الإسرائيلية على الجولان المحتل، ولعل السؤال المطروح اليوم ما الفائدة من اختلاف التصريحات بين إدارتي ترامب وبايدن طالما بقيت الأوضاع على الأرض كما هي؟!.