الإستراتيجية العدوانية التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه سورية، يبدو أنها ستبقى متجذرة داخل البيت الأبيض طالما بقي الفشل ملازماً للسياسة الأميركية، وعندما يقر المسؤولون الأميركيون أنفسهم بهذا الفشل، فهذا لا يعني أنهم بصدد تصحيح الأخطاء، وإنما البحث عن أساليب عدائية جديدة لتحقيق أجنداتهم ومآربهم السياسية، ومن الواضح تماما أن الرئيس الأميركي جو بايدين لن يغرد خارج سرب منظومة العمل اللا أخلاقية، فهو امتداد لأسلافه ممن يعبثون بأمن الشعوب ويهددون استقرارها، وغالبا ما تلجأ واشنطن لإعادة تدوير زوايا الإرهاب كلما ضاقت الخيارات أمامها عند كل محطة فشل تواجه مخططاتها، وبايدن لن يشذ عن هذه القاعدة، لاسيما أنه أحد المشرفين على صناعة التنظيمات الإرهابية وتفريخها.
ما تم الكشف عنه حول سلسلة اللقاءات التي أجرتها أجهزة استخبارات أميركية وبريطانية وفرنسية مع متزعمي “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في منطقة التنف، والاتفاق المتمخض بشأن تنفيذ هجمات إرهابية في سورية، هو مؤشر واضح على نية إدارة بايدن بالعمل على إعادة هيكلة هذا التنظيم الإرهابي وإعادته إلى الواجهة مجدداً، ليكون أداة ضغط أخرى تستنزف من خلاله الولايات المتحدة قدرات الجيش العربي السوري، لعرقلة تنفيذ مهامه الوطنية باستكمال حربه على الإرهاب، وبالتالي تمديد عمر “ذريعتها” المستهلكة – محاربة داعش – لإطالة أمد وجودها الاحتلالي، وقبل يومين كرر “البنتاغون” هذه الكذبة عندما أولى مهمة سرقة النفط لذراعه الإرهابي “قسد”، وبايدن له تجربة سابقة في العمل على إدارة دفة “داعش” الذي انتجته إدارة باراك أوباما، وكان وقتها الرجل الثاني في تلك الإدارة.
بايدن سبق وأكد بأنه سيعتمد على “الحلفاء” لمساعدته في تنفيذ السياسات الخارجية لإدارته، واللقاءات المذكورة مع متزعمي الإرهاب حصلت في بداية العام الجاري، أي بالتزامن مع استلامه مقاليد السلطة، وتولي ممثلين لأجهزة استخبارات أميركية وغربية وإقليمية مهمة عقد تلك اللقاءات يرجح احتمال إعادة تفعيل غرف العمليات العسكرية “موك وموم” التي كانت تشرف على إدارة العمليات الإرهابية التي ارتكبها التنظيمات الوهابية التكفيرية، ومن غير المستبعد أن يعيد بايدن أيضاً إحياء ما كان يسمى مجموعة “أصدقاء” سورية لتقديم المزيد من الدعم لما تبقى من تنظيمات إرهابية تحت مسمى “معارضة معتدلة”، وهو المسمى الذي أطلقته إدارة أوباما على كل إرهابي- ومن أي جنسية أجنبية كان – شارك في سفك الدم السوري، ما يعني في النهاية أن بايدن ربما يحمل في جعبته خططاً معدلة لإعادة انتاج الإرهاب وفق قواعد عمل جديدة، عله يعوض الفشل الذي منيت به إدارتا “أوباما وترامب”.
أينما تحل أميركا غازية ومعتدية، تحضر أدواتها وعملاؤها، وكل حوامل مشروعها الاستعماري، واليوم تعيد إدارة بايدن تعديل الاستراتيجيات الأميركية العدوانية في سورية لمحاولة إحداث تغيير في موازين القوة التي فرضتها انتصارات الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان، ولكن مهما تعددت أشكال وأساليب العدوان والإرهاب الأميركي، فإن سورية لن تحيد عن قرارها الاستراتيجي بمواصلة حربها على الإرهاب، وجيشها البطل لن يتراجع عن خوض معاركه المخططة لهذا الغرض، فيده دائماً على الزناد بانتظار لحظة الحسم، وهو يمتلك القوة والإرادة والعزم، وقادر على صنع انتصارات جديدة.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر