الثورة أون لاين ـ أديب مخزوم:
تحت شعار ” وطن الإنسان سورية العنوان” أفتتح معرض الفنان نذير مارديني في صالة المركز الثقافي في أبي رمانة، متضمناً 42 لوحة استعادها من كل مراحله الفنية على مدى سنوات عمره ، وهي متنوعة في توجهاتها ومواضيعها وتقنياتها وأساليب التعبير، ويمكن تقسيمها حسب ترتيبها في المعرض إلى ثلاثة أقسام أساسية، تبدأ بالتشكيل الحروفي، وتنتهي بالرسم الكاريكاتوري الساخر، مروراً بالرسم الواقعي، الذي يجسد جوانب معروفة من دمشق القديمة .
تشكيل حروفي
في المجموعة الأولى يعتمد على تتابع الكلمة الواحدة على خلفية لونية توحي بالسماء والغيوم والطبيعة والشمس وغيرها أو تجريدية هندسية وغنائية أحياناً يتخذها كأرضية أو خلفية لعناصره التشكيلية الحروفية. ويظهر فيها على معرفة بقواعد الخط وتشكيلاته وتكويناته المتعددة . فهو يستحضر الحروف والجمل والكلمات بأداء ولياقة خطية ، وبتقنيات متعددة، معتمداً على ذاكرة واسعة من الخطوط المرنة والهندسية. وفي لوحاته التي يعمل فيها على تغييب المعنى المباشر للكلمة أو الجملة ، يجعل الحرف العربي وسيطاً لغاية جمالية وتشكيلية خالصة ، وفي هذه الحالة الأخيرة تصبح الحروف غير مقروءة، لأن الهدف هنا لم يعد في إيصال المعنى الأدبي ، وإنما في إظهار النواحي التشكيلية والتجريدية الخالصة، التي تبتعد عن أي قيد إلا التقيد بالضرورات الجمالية والفنية الصرفة. وهو على عكس كثير من الفنانين المحدثين ، يبني لوحته بعقلانية تحافظ على إيقاعات التشكيل الحروفي الدقيق المتصاعد من وتيرة البحث عن اختبار حساسية القواعد الاتباعية للخط العربي ، وهو في هذا المجال، يقدم لوحة موزونة ومدروسة، بعيدة عن العفوية المتطرفة الموجودة في أعمال الكثير من الفنانين الحروفيين العرب المعاصرين.
ومهما جنح بخلفيات لوحاته نحو العفوية والتلقائية اللونية، فإنه في معالجته للحروف العربية، يبقى محافظاً على عناصر الخط الأساسي ، بحيث نستطيع تمييز بعض أنواع الخطوط. ويتجه في لوحات أخرى لإظهار الكلمات المكتوبة بطريقة متشابكة ومتداخلة وأفقية ومقلوبة أحياناً،وبهذا فهو ينوع في طريقة تشكيل الحروف وإظهار معانيها أو الذهاب بها نحو تشكيل حروفي صرف، بعيد عن المعنى الأدبي والدلالة اللغوية.
مشاهد معمارية
تركزت موضوعات المجموعة الثانية من لوحاته، حول العناصر المعمارية القديمة، ضمن رؤية فنية واقعية، كما يقدم بعض المجسمات الفراغية بأبعادها الثلاثة لدمشق القديمة . ويعتمد أحياناً على الأقواس مشكلاً بذلك قناطر العمارة المحلية ، وفي لوحات أخرى يتجه لإظهار حركة الناس في فضاء الأحياء القديمة. وبتعامله هذا في صياغة عناصر التراث المعماري ، وعناصر الطبيعة، والأشكال الإنسانية ، يضفي بعض العفوية على حركة الخطوط والألوان، مع بروز ذلك الإيحاء بالقدم ، حيث تحمل في بعض أجزائها دلالات تاريخية تبرز في كثير من اللوحات.. ومع ذلك لا يذهب إلى صياغة انفعالية، بل يعمل على تجنبها، وإيجاد صيغة تشكيلية تحمل بصمته لصالح غايات ومقاصد فنية.
هكذا نرى في لوحاته قوة في إعادة صياغة العناصر المعمارية وعناصر الطبيعة وحركة المارة أحياناً، حيث يصل إلى درجة من الحساسية الخطية واللونية التي تحافظ على قدرتها التعبيرية . ويذهب في أحيان كثيرة إلى جعل المساحات اللونية المعتمة تتداخل مع مساحات لونية مضاءة ، وبذلك تتدرج الحالة اللونية ، من تلك الباهتة أو القاتمة التي يغلب عليها اللون الأسود والرمادي، إلى أخرى تغلب عليها الألوان الزاهية والمشرقة، ولوحات هذه المجموعة تقع ما بين التكوين الهندسي المنتظم (أقواس ، مربعات ، مستطيلات ، أنصاف دوائر ، تقاطعات شاقولية وأفقية .. ) ، والتكوين العفوي، ومع ذلك فالتشكيل الهندسي في لوحاته يظهر أكثر ارتباطاً مع لغة الوعي، ليقيم نوعاً من التوازن بين السكون والحركة ، وبين الوعي والعاطفة.
رسومات كاريكاتورية
وقدم في القسم الثالث من معرضه بعض رسوماته الكاريكاتورية ، التي سبق ونشر بعضها في صحيفتنا الثورة، كما عمل خطاطاً فيها لمدة سبع سنوات.. وهذا التنقل بين هذه الأنماط الإبداعية، ساهم في تطوير أسلوبه وتقنياته، في خطوات الانتقال من صياغة اسلوبية إلى أخرى، ويبدو المشاهد أكثر تفهماً لرسوماته، لأنها تعبر عن معاناته، وفي جميع حالاتها وتوجهاتها ،تبقى منجزة بخطوط قوية ورشيقة.
وفي رسوماته الكاريكاتورية، يسلط الضوء على العديد من المظاهر السلبية، التي تقع داخل الدائرة الحياتية العامة، من تعبيرات وتجليات إنسانية وسياسية واجتماعية. وأمام تلك السخرية التي يحملها من العالم المحيط به محلياً وعربياً وعالمياً، لابد من الإشارة إلى تلك الصدمة المؤلمة الممزوجة بالضحكة اللاذعة، التي يرتكز عليها فن الكاريكاتير بشكل عام، المحمل بمرارة الواقع المضحك المبكي.
ورغم سخريته من الواقع المتأزم، يترك للمشاهد فسحة أمل بقدوم حياة جديدة، الشيء الذي يجعل المشاهد يستغرق في ابتسامة تشكل استراحة لابد منها في أجواء التعب والهم والبؤس والمعاناة.
ومن أجل ذلك أظهر رغبته في إبراز مواقفه الرافضة لمرارة الواقع المتردي وعبثية الحروب المجنونة في الأزمنة المعاصرة، كما ينعي في إحدى رسوماته جامعة الدول العربية، ويشير في رسومات أخرى إلى أزمة الغلاء الفاحش والمحروقات والكورونا وغيرها. والفكرة التي يبحث عن أجوائها الكاريكاتيرية الساخرة، ليست سوى صرخة رفض لواقع حاد ومفجع مفتوح على بشاعة الحياة وآلامها. وهنا يطل الرسم الكاريكاتوري كتخطيط سريع ينساب بعفوية ويبرز كإشارات معبرة عن مرارة الواقع بالمختصر المفيد.