ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :غيبت الأحداث التي شهدتها المنطقة، الكثير من أولويات القضايا العربية، وكان يراد ليوم الأرض هو الآخر أن يُغيّب، بل في بعض المحاولات كان يراد له أن يمحى من الذاكرة، وبعض الركب العربي لم يتأخر عن اللحاق بتلك المحاولات إلى حد المساهمة بذلك بكل ما امتلك من أدوات.
بهذا المشهد أفصحت المتغيرات العربية عن وجهها الحقيقي، وأضافت عليها خواء حقيقياً لأي معنى من معاني الدلالة حتى الرمزية منها، وأوصدت الباب كي لا تسمع تلك الأصوات التي قد تتجرأ على تذكيرها بالهموم العربية.
وبالتوازي مع هذا الغياب والتغييب، لم تدخر تلك المتغيرات جهداً في استحضار حالة من الاستطالة المرضية في هواجسها وعوامل القلق الملتبسة لديها، فسارعت لاستغلال أي فرصة متاحة كي توجه رسائل الاطمئنان لإسرائيل، سواء كانت مقروءة هناك أم لم تقرأ.. وعلى الأغلب قُرئت جيداً وأخذت إسرائيل بمضمونها في أكثر من اتجاه وعملت وفق مقتضاها على الأرض!!
اللافت أن عملية التغييب تلك، كانت على الضفة الأخرى من المشهد حافزاً لإعادة استحضارها بقوة لم تعرفها من قبل، وتحولت إلى عامل استنهاض للقوى الشعبية الفلسطينية وقوى المقاومة العربية، وكانت الرسائل هنا بمضمونها ودلالاتها أكثر وضوحاً من أي وقت سابق.
غير أنها ليست كافية للرد العملي على هزال الوضع العربي، حين تحولت القضية الفلسطينية في مشروع القرارات العربية إلى ترويسة أو استهلال روتيني تكاد الكلمات تتكرر وفي الموضع ذاته دون أي تعديل يذكر.
والمفجع أن دعاة التغيير العربي، استندوا إلى القاعدة ذاتها لتكون المفارقة بهذا الشكل المدوي في عناوين يوم الأرض، وهي ترسم ملامح إرادة جديدة انبثقت من قلب المأساة العربية متجاوزة خطوطاً وإحداثيات فرضتها عليهم أحداث ومتغيرات الوضع العربي، وفي بعض الأحيان جاءت رداً على الترهات المزدهرة هذه الأيام في خطاب سياسي لامس حضيضاً عربياً غير مسبوق في ملاقاته وتقاطعاته مع المنحى الأميركي وتالياً الإسرائيلي بالضرورة.
بين هاتين الضفتين، كانت الهوامش على الجانبين تتسع دون إدراك لمخاطرها، وفي بعض الأحيان فضفاضة تصلح للقياس والمداورة في الاتجاهين، حيث حالة اللامبالاة كانت القاسم المشترك رغم الفارق الكبير، ورسمت التداعيات المشتركة أحد عوامل الإحباط الإضافية في مشهد إحياء يوم الأرض والتمسك بحدود دلالاته الدنيا.
وحدهم أصحاب الأرض ومن بقي معهم المؤمنون بالوجود والهوية والقضية.. وحدهم كانوا في يومهم الطويل يعيدون تعبيد طريقهم نحو الأرض بما تعنيه وما تعكسه في الوجدان الجمعي للفلسطينيين الذين وصلوا إلى القناعة الأكيدة بأن قضيتهم رهن بهذه الإرادة التي نبتت من تصميمهم ومن معهم منذ اللحظة الأولى للقضية، وأن الكثير ممن انضموا إليهم لاحقاً للدعاية السياسية أو للمتاجرة باسمهم أضاعوا القضية بل باعوا واشتروا باسمها حتى لم يبقوا منها شيئاً.
وحدهم الذين تعنيهم الأرض والذين قاتلوا من أجلها وبذلوا حياتهم في سبيل استرجاعها يعنيهم يوم الأرض.
وحدهم المؤمنون بخيار المقاومة، والمتمسكون بخطها الوطني كانوا عرضة لهذا الاستهداف، وذلك القصف السياسي اللامتناهي، وتلك المؤامرة بأبعادها الكونية وأدواتها الإرهابية، فكانت أصداء هذا اليوم تتردد في دمشق والجولان كما هي في فلسطين وجنوب لبنان.
يوم الأرض مناسبة لإعادة تحديد الاتجاه.. لإعادة قراءة الإحداثيات الطارئة, وفهم مدلولاتها, والنظر لما هو أبعد مما يطفو على السطح، والتعمق في دراسة تلك الظواهر الآنية التي غالباً ما تتلاشى عند أول اختبار وأحياناً عند هبوب أول ريح ومن أي اتجاه جاءت؟!!
a-k-67@maktoob.com