الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لأن “الصلح سيد الأحكام” و”العفو عند المقدرة” فقد كانت الدولة السورية بجميع مؤسساتها سباقة إلى انتهاج مبدأ وأسلوب المصالحة الوطنية سبيلاً للخروج من الأزمة المفتعلة في البلاد، من أجل قطع الطريق على المتآمرين الذين يريدون أخذ البلاد إلى الحرب والفوضى والدمار وتسوية أوضاع المغرر بهم وإعادتهم إلى حضن الوطن كمواطنين كاملي الحقوق والواجبات، وإعادة اللحمة الوطنية للبلاد كما كانت في السابق، ووضع حد للحرب الإرهابية والتدخلات الخارجية التي كانت السبب في كل ما آلت إليه الأمور خلال العشر سنوات الماضية.
ولأن الدولة السورية كانت مقتنعة منذ البداية بأن نهج المصالحة الوطنية هو اللبنة الأساسية لأي حوار وطني شامل يؤسس لحل كل الأزمات المستجدة وتسوية كافة الملفات التي أفرزتها الحرب الظالمة فقد صدر في العام 2011 مرسوماً بإنشاء وزارة للمصالحة الوطنية تعنى بمتابعة وحل وتسوية كل القضايا الإشكالية في المناطق التي شهدت معاركا وحروبا مع الجماعات المسلحة، قبل أن تتحول في العام 2018 إلى هيئة للمصالحة الوطنية، ولا شك بأن هذه الوزارة كانت من أهم الوزارات التي تعاطت مع ملف الحرب من زوايا مختلفة، وكان جل همها وعملها يتركز على إعادة شرائح من المجتمع إلى صوابها وتسوية أوضاعها بعد أن انغمست في القتال إلى جانب الإرهابيين دون دراية بعواقب ما قامت به، ومتابعة تأهيل أولئك الذين تم التغرير بهم وتوريطهم في حمل السلاح ضد بلدهم وشعبهم.
لم يكن عمل وزارة المصالحة سهلاً في ظل ظروف الحرب الصعبة التي مرت بها سورية، وفي ظل التحريض والحملات الإعلامية المكثفة والتدخلات الخارجية الوقحة في الشأن السوري، مع قيام دول وجهات مختلفة بدعم وتمويل حملة السلاح وتجنيدهم لصالح أجندات خارجية بعيدة كل البعد عن مصالح السوريين، ولكن الغايات النبيلة من إنشاء هذه الوزارة ساهمت في إنجاز الكثير من المصالحات في المناطق المحررة من الإرهاب، وعودة الكثير من المسلحين وحملة السلاح إلى حضن الوطن بعد تسوية أوضاعهم وصدور مراسيم عفو عنهم.
لقد سعت وزارة المصالحة منذ البداية للوقوف على الأخطاء التي تمت ممارستها وتحديد أسبابها ووضع آليات المعالجة التي تحول دون تكرارها في المستقبل، كما عملت على إعداد وتجهيز البرامج التوعوية الهادفة إلى إرساء مقومات المصالحة والمصارحة وإشاعة قيم وثقافة المواطنة المتساوية واحترام حقوق المواطن السوري، ودفعت باتجاه اتخاذ إجراءات كفيلة لإعادة تأهيل وإدماج واسترداد ورد اعتبار كل من انتهكت حقوقه.
وكان من ضمن وظائف ومهام الوزارة إعداد تقرير شامل خلال ستة أشهر من إنشائها يتضمن الأسباب التي أدت إلى الأزمة في سورية والتوصيات الكفيلة بعدم تكرارها في المستقبل والخطوات التي يمكن اتخاذها للتشجيع على المصالحة الوطنية وحماية حقوق المواطنين وتحسين أحوالهم والتوصيات والمقترحات والإجراءات التي تدعم التحول الديمقراطي وتعززه وتسهم في بناء الدولة المدنية ودولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية والإصلاح المؤسساتي بما يكفل عدم حدوث انتهاكات لحقوق المواطنين مستقبلا.
كما قامت الوزارة بالتنسيق مع وزارة الداخلية والأجهزة المختصة لوضع سياسة مصالحات تبدأ من إبداء حسن النوايا المشتركة التي تعزز الثقة بجدية الحكومة في إجراء الحل على الأرض مع تكفل الوزارة من خلال مديرياتها بتقديم أمثولات ميدانية لها فعلها بغض النظر عن التهويل الإعلامي الذي يفقد مصداقيته تحت الواقع الملموس، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة التي تعمل على الأرض والوزارات كافة.
كذلك وضعت الوزارة نصب اهتمامها معالجة كل شكاوى المواطنين ومظالمهم ووضع مشاريع قوانين أو إجراءات من شأنها إما حل المشاكل مباشرة، أو التأسيس لها وفق بنية تشريعية تصدر عن البرلمان، أو عبر المطالبة بإصدار مراسيم عفو خاص وقوانين عفو عام عن المتورطين بحمل السلاح وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية.
ومما لا شك فيه أن إنشاء هذه الوزارة في حينه كان تعبيراً صادقاً عن إرادة القيادة السياسية ورغبتها بوقف نزيف الدم السوري ودعوة جميع المواطنين لدخول العملية السياسية، والتخلي عن السلاح ومن ثم السير على نهج المصالحة بعنوانها العام، بما يعني عملية التوافق الوطني على علاقة راسخة بين جميع أبناء الوطن تقوم على التسامح والعدل وإزالة آثار الماضي من خلال مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي والمصالحة بين أفراد المجتمع بغية الوصول إلى حالة وطنية سليمة ومستقرة ورفع مستوى حقوق المواطن السوري في الداخل والخارج، وذلك في سبيل النهوض بسورية من واقع الحرب الإرهابية.
كما بادر الحلفاء الروس بالتعاون مع الدولة السورية إلى إنشاء مركز المصالحة الروسي الذي شكل رديفاً للوزارة في كثير من الأحيان وساهم معها في إجراء مصالحات واسعة في معظم المناطق السورية وتقديم الخدمات والمساعدات المجانية للمواطنين، بحيث كان لجهود الجهتين معاً الفضل في عودة الأمن والأمان إلى كثير من المناطق السورية، ما يؤكد جدوى هذا الخيار في التوصل إلى حلول لكل المشكلات التي أفرزتها الحرب، رغم بعض الخروقات التي تحدث من قبل بعض المسلحين في المناطق المحررة بفعل الدعم والتحريض الخارجي، إلا أن هذه الخروقات لم تلغ صوابية هذا النهج الوطني، لأنه لا يمكن التوصل إلى حل سياسي في سورية دون مصالحة سورية تشمل الجميع وتعطي كل ذي حق حقه وفق القانون والدستور.