بالعمل يخلقُ الإنسان نفسه

 

الملحق الثقافي:د. عدنان عويّد *

العمل هو الطاقة، أو الجهد الحركيّ أو الفكريّ، الذي يبذله الإنسان من أجل إنتاج ما يشبع حاجاته الماديّة والفكريّة، أو كلّ ما يحتاجه من أجل استمراره في هذه الحياة، من السلع والخدمات الماديّة والروحيّة، إلى النوتة الموسيقيّة والكلمة وكلّ ما بينهما.
من هنا جاء لمقولة: «في العمل يبدّل الإنسان في الطبيعة، ويبدِّل في نفسه أيضاً». أو «في العمل يخلق الإنسان نفسه»، راهنيّتها التاريخيّة ومصداقيتها في حياة الفرد والمجتمع، والدولة بكلِّ مؤسساتها.
كثيراً ما تردَّدت هذه المقولة في الفكر الفلسفيّ العقلانيّ التنويري، فالإنسان عندما يعمل، لا يبدِّل في المحيط الاجتماعيّ والطبيعي الذي ينشط فيه فقط، (إن كان على مستوى نشاط الفرد، أم على مستوى نشاطي المجتمع والدولة)، وإنما يبدّل في نفسه أيضاً، أي في عاداته وتقاليده وبنيته الفكريّة، ولغته وأحاسيسه ومشاعره، وقيمه الأخلاقيّة والجماليّة والسياسيّة.. الخ.
إن الإنسان عبر تاريخ علاقته التاريخيّة مع الطبيعة والمجتمع، استطاع أن يطوّر في وجوديّهِ الماديّ والفكريّ معاً، فكلَّما تطوّرت وسائل إنتاجه مثلاً، تطوّر الإنتاج نفسه، ورافق تطوّر هذا الإنتاج، تطور آخر بالضرورة، في العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة. بيد أن التطور الأهم هنا، يتجلّى في الإنسان الفرد نفسه، حيث نجد هذا التطوّر ينال إضافة إلى ما ذكرناه، نظرته إلى الحياة ومهاراته الشخصيّة، واهتماماته وميوله وسلوكياته، وغير ذلك.
على العموم، التطوّر الأهم في حياة الإنسان العامل اليوم، حدث مع قيام الثورة المعلوماتيّة بكلّ أشكالها ووظائفها، فعندما حقّق الإنسان هذه الثورة بجهوده العضليّة والفكريّة، المتراكمة تاريخيّاً على اعتبارها لم تأت مصادفة، استطاع أن يحقق تغييراً جوهريّاً، في معطيات وآليّة عمل العالم الإنساني عموماً، بكلّ مستوياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، وذلك بسبب ارتباط الكثير من مؤسسات الحياة على مستوى العالم، بهذه الثورة ومعطياتها، ممثَّلة بالحاسوب والنت والفيس والتويتر والخليوي، وغيرها من الوسائل التكنولوجية المرتبطة بهذه الثورة المعلوماتية التي أصبحت حاجات أساسيّة وضروريّة في حياة الإنسان بشكلٍ عام.
هذه التكنولوجيا مثلاً، لم تعد تحقّق إنجازاتٍ علميّةٍ على المستوى المادي، أو النشاط العملي للإنسان، في مجالات عمله الوظيفي المتنوع فحسب، بل أخذت تبرمج كلّ نشاطه، من الهاتف الجوال الفرديّ، إلى أجهزة المؤسّسات المعلوماتيّة التي يعمل بها، وهذه البرمجة راحت تحدّد سلوكياته وتفكيره أيضاً. أي إن الإنسان ذاته، قد برمج عقله ونشاطه، بما يتّفق وآليّة عمل هذه التكنولوجيا. بتعبيرٍ آخر، إن الإنسان تحوَّل إلى ترسٍ في آليّة عمل هذه التكنولوجيا، وبالتالي أيّ عطل يصيبها، سيشلّ نشاطه العمليّ والفكريّ معاً.
على سبيل المثال لا الحصر، انقطاع الكهرباء. هذا الانقطاع إذا ما حصل، سيشلُّ عمل كلّ الأجهزة المرتبطة بها، ومنها أجهزة الثورة المعلوماتيّة وفي مقدمتها «النت» على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي سيعطل ويشلّ أيضاً، نشاط وحركة الإنسان الفرد والمجتمع، مثلما حركة الدولة ومؤسساتها.
هكذا نرى أن الإنسان في العمل، يبدِّل في الطبيعة ويبدِّل في نفسه. أي إن الإنسان في العمل، يعيد دوماً، خلق نفسه من جديد.
سيظلُّ الفرق هنا شاسعاً، بين أن يكون هذا العمل لخيرِ الإنسان ومصالحه، وخاصة تنمية حياته الماديّة والروحيّة بكلّ أشكالها ودلالاتها، وبين أن يكون ضد الإنسان ومصالحه، وعموم نشاط حياته، وبالتالي سيعمل على تحويله إلى إنسانٍ مشيَّئ ومغرّب ومستلب روحاً وجسداً..
 *كاتب وباحث من سورية
d.owaid333d@gmail.com

التاريخ: الثلاثاء11-5-2021

رقم العدد :1045

 

آخر الأخبار
France 24: إضعاف سوريا.. الهدف الاستراتيجي لإسرائيل فيدان: مبدأ تركيا أن يكون القرار بيد السوريين لبناء بلدهم "أوتشا": الألغام ومخلفات الحرب تخلف آثاراً مميتة في سوريا الرئيس العراقي: القيادة السورية من تحدد مستوى المشاركة في القمة العربية مؤتمر "نهضة تك" ينطلق في دمشق.. ومنصة "هدهد" لدعم الأسر المنتجة جودة طبيعية من دون غش.. منتجات الريف تصل المدن لدعم الصناعة السورية.. صفر رسوم للمواد الأولية أرخبيل طرطوس.. وجهات سياحية تنتظر الاهتمام والاستثمار مركزان جديدان لخدمة المواطن في نوى وبصرى درعا.. تنظيم 14 ضبطاً تموينياً اللاذقية: تشكيل غرفة عمليات مشتركة للسيطرة على حريق ربيعة الشعار يبحث تحديات غرفة تجارة وصناعة إدلب شراكة لا إدارة تقليدية.. "الإسكان العسكرية" تتغير! حمص.. 166 عملية في مستشفى العيون الجراحي أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية